كما هو جاري
و معلوم ، بعض من الدول العربية تقوم شعوبها بثورات ضد الأنظمة القائمة و
التي تحكمها منذ عقود من الزمن…
شعار الأساسي لهذه الثورات "الشعوب تريد
إسقاط الأنظمة". منها ، أي الشعوب ، استطاعت من إزاحة أنظمتها بأقل
تكلفة ممكنة بل حتى يمكن القول بيضاء …
لكن شعوب أخرى عكس ذلك تماما تعاني صعوبات كبيرة
في زحزحة أنظمة راسخة الجذور ، رغم "العمليات
الجراحية" حتى بعضها تتم تحت إشراف "جراحون مختصون عن بعد
" في "العمليات المعقدة" التي تتم جوا ...
تلك الأنظمة نفسها تستمد شرعيتها من الثورات أوصلتها إلى سدة
الحكم ، ثورات كان لها نفس الشعار الحالي أي "باسم الشعوب"
ثورات ضد أنظمة كانت قائمة منها ملكية وراثية ومنها أنظمة كان يقال عنها مستبدة
ورجعية...
رغم لا يمكن إنكار أن الشعوب العربية أو بعضها
استفادت في البداية من تلك الثورات وخاصة الطبقات المحرومة وتحسن حالها كثيرا ،
خاصة التي كانت تحت حكم الاستعمار…
طبقات غمرتها بركات تلك الثورات وشمت لأول
مرة رائحة النعيم من التعليم المجاني في جميع المراحل حتى الجامعية و ما بعد
التعليم العالي وفرص عمل لا حصر لها والفلاح الذي كان مجرد عبيد هو
وعائلته عند المستعمر أصبح يملك الأرض و السكن أكثر من لائق وعلاج مجاني في
مستشفيات و المشافي...
قبل أن تنقلب تلك الرائحة من نعيم إلى رائحة
مصدرها زفير أعماق السعير وبدأت تفقد تلك الطبقات الامتيازات الواحدة تلو
الأخرى وهي سائرة بخطى ثابتة إلى ما تحت الخطوط السفلى للفقر و الحرمان...
حصل لها ذلك بعد تخلت تلك الأنظمة
"الثورية" عن الشعارات التي أوصلتها إلى سدة الحكم وبعد أن تغيرت
الظروف الدولية وانطوت تلك الأنظمة تحت تلك المتغيرات لتحتفظ بالسلطة
وتوريثها ولسان حالها ،أي تلك الأنظمة "لتذهب تلك المبادئ الثورية إلى
الجحيم"...
أي بمعنى الانقلاب على الأسس التي بموجبها أقامت
عليها تلك الأنظمة شرعيتها ، أي : القضاء على الرجعية ، السلطة للشعب (بمعنى
التداول على حكم برضا من الشعب) . وغير ذلك من الشعارات البراقة ، تبين في الأخير
أنها مجرد شعارات لا أكثر و لا أقل...
أنظمة فشلت في كل الميادين ، من توفير
لشعوبها حتى الأمن الغذائي فبالك ميدان أخرى وأصبحت تلك الشعوب
كالحائط "الواطي" سهل القفز عليه من كل حرامي ومجرم ، كما حصل للعراق
وغير العراق...
حتى ميدان الأمن الداخلي ، كان الجميع يظن
أن تلك الأنظمة نجحت فيه بامتياز بفضل عبقرية القائمين عليه ليتبين في الأخير
أن كل ذلك كان سرابا بعد أول مواجهة حقيقة بين تلك الأجهزة و شعوبها ...
وتحللت تلك الأجهزة كما تتحلل الأملاح في المياه ،أو كما حصل لسكان جزر الأملاح
بعد هطول الأمطار ، رغم الميزانيات الضخمة التي ابتلعتها تلك الأجهزة
على حساب قطاعات أخرى أكثر أهمية كالتعليم و الصحة و ما شابه ذلك...
لكن السؤال المطروح الآن ، وهو سؤال وجيه و مشروع
، هل الثورات القائمة الآن في بعض الدول العربية ، منها من نجحت ومنها في طريقها
إلى ذلك ، لن تعرف نفس سيناريوهات ؟ ...
أي بمعنى عدم التمسك بالسلطة والتشبث بها
"باسم الثورة" وإقصاء كل صوت معارض واعتباره يد تحركها
"أجندة خارجية" ونظرية المؤامرة الشهيرة ...
حتى أن بعض من هذه الثورات و حتى قبل الوصول إلى
مبتغياها خرجت إلى العلن خلافات و صراعات على المناصب و النفوذ ، ووصل
الأمر إلى تصفيات جسدية لقادة و رموز وهو مؤشر مرعب ل "مستقبل "باين من عُنْوَانُ "...
وإذا كان الأمر كذلك من الأحسن الاحتفاظ بالأنظمة
القائمة على قاعدة المثل الشعبي العامي ، معناه بالمختصر المفيد
: "المعروف خير من المجهول" . أو حاضر ناقص خير من مستقبل
مبني للمجهول، بمعنى أوضح "باسم الواقع" ...
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
14.08.2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق