كما هو مُشاع إعلاميا ، يعتزم قطاع
السينما في الجزائر انجاز فيلم سينمائي عن آخر الدايات في الجزائر قبل غزو و
الاحتلال الفرنسي عام 1830 ، ألا وهو
الداي حسين...
حتى هنا الأمر جد عادي ، يدخل في عملية توثيق لحقبة تاريخية هامة للبلد
ونقطة تحول بين حقبة و حقبة . حقبة الوصاية العثمانية إلى حقبة احتلال فرنسي دام قرن وثلث القرن من زمن. لتبقى الأجيال على
تواصل مع تاريخها ويكون التوثيق السينمائي أقرب للتواصل من التوثيق بطرق أخرى...
لكن الشيء الغير العادي في الأمر
هو إسناد الدور الرئيسي في الفيلم ألا وهي الشخصية الاعتبارية المتمثلة في الداي
حسين، للممثل فرنسي...
لا يُعرف إذا كان هذا الاختيار من
الباب الصدفة أو هناك عوامل أخرى فرضت نفسها في عملية الاختيار. على حسب كلام
منتجة الفيلم ، المنشور في وسائل الإعلام ، اختيارها لهذا الممثل ، الذي تحوم حوله
شبهات أخلاقية مازال القضاء الفرنسي لم يفصل فيها ...
كان أساسا لتعريف ولتسويق عالميا للسينما الجزائرية ، لتضيف نقطة أخرى ألا وهو
العامل الاقتصادي بحجة أن أجرة هذا الممثل أدنى من أجور ممثلين آخرين...
حجج شخصيا لم تقنعني ، لأن يُمكن تسويق هذا المنتوج عالميا عن طريق ممثلين
محليين لضرب عدة عصافير بحجرة واحدة . إعطاء فرصة لهؤلاء الممثلين لدخول العالمية
من خلال أعمال فنية تاريخية عملاقة كهذه. فرصة غير متاحة كل الوقت...
لأن لا يعقل السينما الجزائرية وما التهمته من ميزانيات
لم تطرق بعد أبواب العالمية . و لا يعقل بلد كل هذه مدة الاستقلال عاقر على
إنجاب ممثل يجسد دور تاريخي والبحث الدائم عن ممثلين خارج الحدود ليقبضوا بالعملة
الصعبة ...
في وقت يُقال للناس أن البلد في أزمة مالية خانقة و محتاجة لكل قطعة نقدية أجنبية لمواجهة الأزمات المالية الخانقة
، هذا من جهة ...
من جهة أخرى و الأهم ، كما هو معلوم ، أهم عوامل التجسيد هو البحث عن
العوامل المشتركة بين شخصية التي يُراد تجسيدها والشخصية التي يُستعان بها في
عملية التجسيد...
لا يُعرف العلاقة الموجودة بين شخصية الداي حسين و الممثل الفرنسي المُشار
إليه. من الناحية الدينية واحد مسلم و الآخر يؤمن بهيكل سليمان في مكان المسجدالأقصى الشريف . وبذلك عملية الاختيار
تعتبر استفزاز لمشاعر المواطن العربي بصفة عامة و الجزائري بصفة الخاصة ...
مواطن تربى على عقيدة بأن فلسطين و
المسجد الأقصى ملك عربي إسلامي مغتصب و القاعدة تقول " عدو صديقي ، عدوي"
، بمعنى هذا الممثل الذي يعبر علنا أنه صديق حميم للكيان المغتصب هو عدو لهذا
الفرد ...
الأكثر من ذلك ، الداي حسين المعروف عنه الورع و صاحب أخلاق عالية . والممثل الذي يجسد دوره من خلال الفيلم ، تُطارده شبهات أخلاقية ما زالت معروضة على
القضاء الفرنسي...
صحيح ، القاعدة القانونية معروفة
تقول بأن المتهم بريء حتى يتم إدانته ،
هذه نصف القاعدة. ولكن القاعدة بالكامل
تقول المتهم يبقى مشتبه به حتى يتم تبرئته ، مما يلزم تطبيق عليه الضوابط التحفظية...
بالمختصر المفيد ، الوطن العربي بصفة عامة،
يعيش أزمة هوية و وجود .ولا يمكن فصل الأشياء عن بعضها البعض ثقافيا ،
اقتصاديا ، سياسيا ،الخ... ، شخصيا لا
أعرف كيف يمكن للفرد العربي تجاوز هذا الفراغ الرهيب الذي يعيشه في كل
الميادين ...
وكنت ذكرت في موضوع سابق مشكلة
الهوية التي يُعاني منها "المواطن في الوطن " و تجنبت القول
"المواطن العربي"، ليس سهوا و لكن ، من وجهة نظري ، هذا المواطن لم يحسم
بعد أمر هويته...
بلقسام حمدان
العربي الإدريسي
03.09.2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق