والدي حفظه الله ، روى لي قصة ، كنت ذكرتها سابقا بشكل موجز . القصة حدثت لوالدي عندما كان شابا أجيرا في
ميدان الفلاحي عند أحد كبار "المعمرين" زمن الاحتلال الأجنبي...
يوما نادى ذلك المعمر والدي و كلفه
بتقديم يوميا "العلف" ( غذاء الأنعام) لكل أصناف الحيوانات الموجودة
عنده...
مقدما له ، أي لوالدي ، تعليمات في نوع و كمية العلف الواجب تقديمه لكل صنف
:الأبقار ، الأغنام ، الأحصنة والخيول ، الخ...
لكنه عندما وصل إلى فصيلة "الحمير" ( أكرمكم الله) ،شدد المعمر
المذكور على والدي على نوعية و كمية العلف الواجب تقديمها لهذا الفصيل...
وأعطى له تعليمات أكثر دقة ، قائلا ، له " أنتبه جيدا... الحمير التي تشتغل الكمية و النوعية كذا . الحمير التي لا تشتغل المربوطة في الإسطبلات ،
الكمية و النوعية كذا..."...
والدي ، كما روى لي ، لم يهتم و لم ينفذ هذه التعليمات و كان يعطي للكل نفس
النوعية و نفس الكمية و بالزائد أيضا...
يوما ، والكلام دائما للوالدي ، تلك الحمير التي كانت لا تشتغل انفلتت من إسطبلاتها
هائمة على وجهها في البراري وتم تجنيد كل العمال و بصعوبة كبيرة تم السيطرة عليها
(الحمير) و إعادتها إلى إسطبلاتها...
وبعد أن تم ذلك ، استدعى ذلك المعمر المذكور والدي قائلا له "أنت ، يا
فلان ، لم تلتزم بتعليماتي فيما يخص الكمية و النوعية التي أمرتك بها لتقديمها لتلك
"الحمير الهاربة"...
أنكر والدي بشدة ما ذكره المعمر مشددا انه كان ملتزما بتلك الكميات ونوعيتها المحددة . "قههه ، المعمر طويلا . ثم قال
لوالدي : "شوف ، يا فلان تلك الحمير لو لم تشبع لما هربت "...
مضيفا له (أي المعمر لوالدي) : " الكائنات الحية و التي تدب فيها
الحياة و بالطبع على رأس تلك الكائنات ، الكائن البشري فيها (أي الكائنات) ،
الحر وعكس الحر ..."...
شارحا له " الحر عندما يشبع من نعم الله يزداد تواضعا و تعقلا و يحمد
الله على تلك النعم الموجود فيها و لا
يؤذي نفسه و لا الآخرين"...
أما عكس الحر ، الكلام دائما للمعمر ، كلما شبع من تلك النعم يزدادا هيجانا
و تمردا ويحول تلك النعم إلى نقم وسخط ، و"الحمير" هو ذلك الصنف و الدليل أمام عينك ، مختتما
(المعمر) كلامه لوالدي...
نعم ، صدق و أصاب ذلك المعمر. كلامه حكمة صالحة في الزمان و
المكان ومن أراد التحقق من مصداقيتها فلينظر عن يمينه و شماله ويقيسها بقصة
"الحمير الهاربة "...
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
15.03.2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق