في موضوع سابق ، تم التطرق كيف المجتمع العربي المحافظ
فقد مناعته الذاتية . قلت ، المحافظ و
ليست الفئة التي تحررت بشكل كامل ، صراحة و علنا و تمردا عن كل علاقة
"كانت" تربطها بمجتمعها الأصلي
: لسانا ، هوية و سلوكا...
حتى أصبحت تنظر إلى ذلك الأصل بشكل "تكبري"
(التكبر) و "احتقاري" ( احتقار). تنفيسا عن عقدة مزمنة تلازم هؤلاء ،
تم الخوض فيها في مواضيع سابقة ...
قلت ، المجتمع العربي المحافظ لم يعرف أبدا الوسطية وهو من النقيض إلى النقيض. مثله تماما و
بالمفهوم السياسي من اليمين المتطرف إلى أقصى اليسار المتطرف وكل نسمة تغيير تؤثر
فيه يمينا أو يسارا ...
في الحقيقة و إذا أرادنا الصراحة ، هذا المجتمع لم يعرف
المحافظة أبدا والفئة المتحررة المذكورة آنفا، قد تكون أصدق حالا لأنها واضحة وعبرت عن موقفها
الفكري و سلوكي بوضوح و بدون خجل...
أما الفئة الأخرى ، بما تسمى المحافظة فهي متناقضة . فهي محافظة في العلن و متحررة من
كل قيم في الخفاء ، ومقياسي في تقديري هذا محيطي و مدى علمي و نظري، قد يكون غير
صحيح في جهات أخرى ( قلت قد يكون)...
أتذكر ليس بوقت ليس ببعيد عندما كانت هذه المجتمعات
المتكلم عنها موجودة في أقصى اليسار "المتسيب" كانت لا تبالي بهذه القيم ...
على سبيل المثال لا الحصر ، كانت تقام أفراح و أعراس كل شيء فيها مباح من الرقص المختلط
من ذكر و أنثى في الهواء الطلق ، تحت "ضربات البارود" و نغمات
"الزرنة" و ما شابها من تلك الآلات الموسيقية الشعبية ...
تلك الأنثى تحرم عنها حتى نسمات الهواء وأشعة الشمس لتجد
نفسها أيام الأفراح و الاختلاط كل شيء مباح من لقاء الحبيب و العشيق وهمسات ولهيب الشوق
وإعطاء المواعيد وفي تلك الليلة تحصل المعاصي و الرذائل و ما يغضب الرحمن ...
الأخطر و الأقبح من كل ذلك ، الكثير من تلك الأعراس و
الأفراح تنشطها "شيخة" من شيخات" الطرب " ما تحت الحزام"
( أكرمكم الله)...
تلك "الشيخات" لا يحلن لهن الغناء إلا بعد
احتساء المزيد من "الخمور" (عفاكم الله )، و على صاحب العرس أن يوفر الكمية المطلوبة و يخزنها في
بيته تحت تصرف "الشيخة" ومرافقيها ليحتسوا المزيد بعد كل الاستراحة و طوال الليلة حتى صيحة
الديك ، وكلما احتست "الشيخة" المزيد زادت "وقاحة الكلام" و قلة
الحياء ...
وفي الصباح ذلك صاحب العرس "المحافظ" يلقي على الناس في المقاهي و على "حواشي" الطرقات محاضرات في القيم و
"الحشمة" وانه صارم في هذا الشأن و يعطي أمثلة كيف أهل بيته و بناته قمة
في "الحشمة" و المحافظة على القيم و هو لا يدري أن عرسه الذي أقامه
بالأمس هو قمة في الانحطاط و الأخلاق و ضربة في الصميم في مفاهيم المحافظة على
القيم و المحظور ...
نفس المجتمع المتكلم عنه جاءته "نسمة إيمانية"،
بدون تحميصها ومدى تطابقها مع إيمانه و مذهبه، ارتمى في أحضان تلك الأفكار المتزمتة
التي ترى كل شيء في الوجود اسود...
أفكارا يروجها أناس كانوا بالأمس القريب من حاشية تلك
"الشيخات" المذكورات وهم يشجعهن
على المزيد من الاحتساء و المفردات التي تهيج وتهين الأفكار و المعتقدات...
في هذه المجتمعات "المحافظة"، التي كانت فيها
كل شيء مباح في ليلة الأفراح التي لا تغيب طيلة العام . تحولت إلى متزمتة كل شيء فيه
حرام وبفتاوى تباع على حواشي الطرقات كما تباع وجبات الأكل السريع على مداخل
الأسواق تحت الغبار و الذباب...
لكن هذه المجتمعات التي تحولت إلى أقصى اليمين المتطرف
لم تفرط في مكاسب "اليسار المستورد" كقضية "الخاتم" (
المذكورة سابقا) ...
تلك الأنثى التي أصبحت يُحرم عليها حتى مقابلة الأشخاص الأكثر تقربا منها دما
و نسبا ، يصبح في تلك الليلة ( ليلة الخاتم) كل شيء مباح...
بمعنى ، مجتمع
من النقيض إلى النقيض أو بالمعنى الآخر المذكور ، من أقصى اليسار المتطرف إلى أقصى
اليمين المتطرف أو العكس الصحيح...
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
17.03.2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق