خلال مسيراتي
المهنية الطويلة ، تصادفت مع رؤوس" متزلفة" من مختلف الأنواع والأشكال .
بعض من هذه الرؤوس يعجز حتى سيف الحجاج من قطفها بضربة واحدة ولا بد من عدة محاولات لكي يتم جزرها عن جسدها...
رؤوس تفوح منها
روائح الغدر والمكائد والدسائس و إلحاق الأذى بالآخرين فقط لإرضاء وكسب ود جهة
عليا أو نافذة أو حتى أقل من ذلك . أو فقط لإرضاء غرائز خبيثة وسادية ماكثة في نفسية هؤلاء...
من وجهة نظري ،
"التزلف" عادة يكتسبها الشخص من خلال التربية التي يتلقاها منذ ولادته .
بمعنى ، عادة مكتسبة من خلال نوع هذه التربية . والشخص "المتزلف" يريد تعويض نقص في كفاءته الذاتية أو المهنية أو لكي يحتفظ بمنصبه يلتجأ إلى هذه
العادة القبيحة ، ونجاحه في ذلك يكون على حساب الآخرين...
وبعض ، أو قل الكثير ، من المسؤولين يشجعون ذلك ويصبح هؤلاء
"المتزلفون" كاميراتهم المخفية ، يرون بعيون تلك الرؤوس كل ما يجري
حولهم أو لاستعمالهم في مهمات "قذرة" والتخلص منهم عندما تظهر روائح تلك القذارة
للعلن...
كنت و مازالت أمقت
إلى درجة الكره تلك "الرؤوس المتعفنة"
ولا أتعامل معهم و لا أجاملهم وان
فعلت ذلك سأحتقر نفسي أيضا وكنت أعبر عن
ذلك علنا وعلى مسامعهم..
مرة ، استدعني
مسؤولا كنت أعمل تحت إمرته وكلمني عن شيء
قمت به ولم أخبره عنه وكان جالس بجانبه
رأسا من تلك الرؤوس ومعروف عنه أنه هو "الكاميرا المخفية " لذلك
المسؤول...
قلت له هذا
"..." ( أكرمكم الله) ، هو من أخبرك بذلك. وإذ بذلك المسؤول يخرج عن طوره ويصيح في وجهي "كيف تقول له ذلك أمامي" ، وطلب مني أن أخرج من عنده ...
وبعد أيام ألتقني
ذلك المسؤول واعتذر مني قائلا "أنا أعرف ، لكن كان عليك ألا تقول له ذلك
أمامي لكي لا أفقد هيبتي أمامه". بمعنى ، الكل يحتقر مثل هؤلاء
الأشخاص حتى الجهة التي تستفيد من"تزلفهم"...
هذه عينة من هكذا
رؤوس صادفتها خلال مشوار مهني ، كل تلك الرؤوس لا ترقى إلى درجة رؤوس "ديوان الدسائس" المشهور و
المذكور...
لكن
هناك "رأس متزلف" آخر صادفته
في آخر مشواري المهني قد يكون صنف جد نادر يتجاوز ندرة "ديوان
الدسائس". هذا الشخص يزعم أنه خبير في إحدى الاختصاصات الفنية العالية ، لكن
ذلك ليس مهم...
المهم ، أن هذا الشخص يحشر نفسه في كل شيء
مستغلا علاقة خاصة تربطه بإحدى جهات عليا ويعتبر نفسه المفوض فوق العادة لتلك
الجهة، وينقل إليها كل شاردة و ورادة ...
متكبرا متعالي ،
يهين ويشتم الناس حتى إطارات سامية أعلى منه بكثير تخشاه وتتحاشاه . يوما تتدخل
بطريقته المتعالية المعروفة في شيئا يخصني ، أمام مرأى الجميع ، قلت "شوف
، يا فلان أنت عندما تتكلم معي أعرف بأنك
تتكلم مع إطار حقيقي و ليس "مزيف" أو "متزلف" ، لذلك ...، (ولم
أتمم العبارة لأتركه يفسرها كيفما يشأ) ...
فاجأته ومن شدة
تلك المفاجأة ، التي لم يكون يتوقعها ،
انسحب ماشيا إلى الوراء وهو يرى
يمينا وشمالا إذا كان هناك شخص انتبه إلى ذلك . كنت أعلم يقينا أنه لا يفوت الفرصة لكي يوشيني عند تلك الجهة
التي يتحرك باسمها و بغطائها...
لكني لم أكون أبالي بذلك لأني كنت ملتزم التزاما
مطلقا بنصائح أول مسؤول عملت تحت إمرته في
أول مشواري المهني. حيث قال لي يوما : "يا بني ، لا تنغمس لكي لا تخاف ، و لا
تشبث بمنصبك لكي لا تهان ، وأترك خصومك يكرهونك و لا تتركهم يحتقرونك"...
يوما وأنا في مكتب
"جهة عليا" ، وأثناء وجودي جرى
اتصال هاتفي بين الجهتين ، الجهة الموجود
في مكتبها وجهة عليا أخرى التي يتحرك تحت
غطاءها ذلك "الشخص المتزلف"...
وإذ بالمسؤول الرفيع الذي كنت في مكتبه سأل الجهة
الأخرى : "هل تعرف فلان (ألا وهو
أنا)...". أجابه الجانب الآخر ، قائلا : "ذاك الشخص ، صاحب
المشاكل..." . وهنا تأكدت فعلا أن ذلك الشخص "المتزلف" وشى بي فعلا...
رد عليه المسؤول الكبير الذي كنت معه ، بعد
قههه طويلة ، قائلا له : "يبدو ، أن
مصادرك غير موثوق بها يا فلان..." ،
مضيفا له " الشخص الذي تتكلم عنه ، "حلال المشاكل" و" ليس صاحب المشاكل" ،
كما تقول . وكان عليك أن تتحرى جيدا عنه قبل
الحكم عليه "...
بالمختصر المفيد ، المصيبة تكمن عندما يتم الحكم
على الآخرين من خلال "رؤوس متزلفة"
فاقدة الوازع الأخلاقي و الأدبي وتكون مصائرهم و مستقبلهم مرهونة بنزوات
تلك "الرؤوس"...
بلقسام حمدان
العربي الإدريسي
17.12.2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق