خرجت من مكتب تلك
السلطة العليا ، صاحبة مقولة "طز...في التقنية المالية" ، قاصدا مكتبي جمعت أغراضي وقصدت بيتي ، لقد شعر خصمي بنشوة
الانتصار ...
لكني أخبرته أن هذه جولة أولى تمهيدية وهناك
جولة حاسمة و نهائية تكون في مكان
محايد. في الحقيقة ، لا أعرف إن كنت أقصد
ما كنت أقوله أم هي عبارات خرجت من فمي
تلقائيا و لاشعوريا ...
قلت ، قصدت بيتي وفي صباح اليوم الموالي قصدت المصلحة
المركزية وفي يدي طلب التحويل. قراري بالذهاب لم يكون مرتبطا بما حصل لكنه قرارا
اتخذته لحظة وفاة أمي وندمت كثيرا إنني لم ألبي إلحاحها وهي على قيد الحياة للعودة
بالقرب منها...
بمعنى ، لو تريث
ذلك الشخص ، الذي كان متلهثا للتخلص مني ،
قليلا لو وفرت عنه تلك المواجهة النهائية الحاسمة والتي كلفته ضياع منصبه ، لكن الغرور والتكبر
يقضيان على الإنسان من حيث لا يدري ...
صحيح ، تلك الجهة
النافذة التي تكلمت عنها سابقا ، والتي كانت تقف خلفه استطاعت إنقاذه من مصير أسوأ
بكثير من مصير "البرامكة" في
بغداد أو من مصير "إبراهيم باشا" في ديوان "السلطان
سليمان"...
استطاعت تلك الجهة
تمييع و تسويف قرارات سلطة عليا صدرت في حقه تقضي على حياته المهنية . لو كان
الأمر عكس ذلك وكانت تلك القرارات في غير صالحي "لمسحو بي الأرض"
وشنقوني صبيحة يوم عيد من الأعياد لكي أبقى ذكرى و عبرة لمن يعتبر ، تماما كما حصل
للرئيس الراحل صدام حسين ، لكن الله غالب على أمره ورضا أمي عني كانت درع واقي لي ...
قصدت المصلحة
المركزية وإذ بأول خطوة داخل تلك المصلحة وجدت المسؤول الأول الجديد القديم ، لأنه
كان في المصلحة قبل تحويله كمسؤول أول للمشروع المذكور وهو الذي اقترح أن يتولى
"خصمي" مكانه لكي يقطع الطريق عني
لحسابات خاصة ، رغم إني لم أكون أطمع لا من قريب و لا من بعيد في ذلك
المنصب ، لأن منصبي أهم منه...
قلت ، وجدت ذلك
المسؤول الأول و هو يرتجف صائحا في وجهي "أين كنت ، يا فلان" ، لقد
طلبتك في مكتبك وأخبروني أنك غير موجود" ؟. دفعني داخل مكتبه وأغلقه وهو
يرتعش و العرق يتصبب منه ، قائلا لي " عليك غدا صباحا أن تكون في الوزارة
للمثول أمام لجنة تحقيق بأمر من السيد الوزير نفسه...". ثم طلب مني بإلحاح
كررها عدة مرات أن لا أتي على ذكر اسمه أثناء التحقيق معي حتى لو طلب (الضمة على
الحرف الكاف) ، مني ذلك علي أن لا أزج به في الموضوع وانه لا يعرف عنه شيئا
وأعاد إلى تقرير التقني المالي الذي كان أو الطالعين عليه...
ولم يكف عن إلحاحه
إلا بعد أن انتزع مني وعدا وكان يعرف إنني صاحب وعد بخبرته معي لأني عملت معه
كثيرا و كان يعرف إنني لا أغدر . رغم انه هو غدر بي فيما بعد ...
في الصباح اليوم
التالي قصدت الوزارة وجدت لجنة مكونة من ثلاثة أعضاء ، رئيس و عضوين . في الحقيقة
، استقبلني رئيس اللجنة باحترام كبير رجل
يظهر عليه المهنية العالية مهيب المظهر ...
طلب مني الدخول إلى قاعة كبيرة يبدو أنها قاعة
الاجتماعات ودعاني للجلوس ، عرفني بشخصه بأنه رئيس لجنة تحقيق بأمر من السيد
الوزير نفسه ثم قرأ علي لائحة الاتهام . بدأ بالتهمة الأولى :
"عدم
الانضباط و عدم احترام السلم الوظيفي" ، قدمت له وثيقة ممضاة من طرف أعلى سلطة تخولني ذلك بدون أن
أقدم له أي شرح إضافي ، لأن الأمر واضح لا يحتاج ذلك. ابتسم وأخذ قلما أمامه وشطب
على تلك التهمة قائلا هذه التهمة أصبحت لا وجود لها...
ثم انتقل إلى
الشطر الأهم "التقنية-المالية" ، قائلا لي (رئيس اللجنة) لك الكلمة ،
تفضل . وهنا بدأت مرافعتي ، في الحقيقة لم أكون أدافع و إنما كنت أهاجم لأني لست
مذنب أو متهم ، كنت أدافع عن الحق العام ولذا كنت أعتبر نفسي "مدعي عام"
وتلك اللجنة هم القضاة و المتهم غائب ، بمعنى كان يحاكم غيابيا...
في الحقيقة اللجنة
لم تكون بثلاثة أعضاء وإنما كانوا أربعة أعضاء "العضو الرابع" لم يكون
يراه سوى أنا . أنها أمي كانت موجودة في القاعة خلف رئيس اللجنة وهي واقفة في شموخ
تراقب ما يحصل...
لقد استعملت كل
بلاغتي التقنية و اللغوية في هذه جولة الحاسمة التي كنت وعدت بها تلقائيا خصمي وأنا أغادر مكتبي لأخر مرة. لم أترك مجالا
لتلك اللجنة لطرح علي أسئلة لقد كنت اقرأ أفكارهم و أجيب عنها قبل طرحها ، حتى أن رئيس
اللجنة قال لي ، مازحا ، يبدو أنك تعلم بأفكارنا مسبقا"...
في الحقيقة ، طوال
وقت الجلسة لم يطرح علي سوى سؤال واحد تفسيري. لقد كنت مهاجما شرسا تقمصت كل
الأرقام من جناح الأيسر إلى جناح أيمن إلى قلب هجوم يسجل أهداف بضربات الرأس تارة
و بالأرجل تارة أخرى وبضربات مقصية فنية رائعة تارة أخرى ، أحس من خلالها أن أعضاء اللجنة مستمتعين بها
وأحس بنشوة الفخر و الاعتزاز على وجه أمي و هي تتابع في المشهد ...
لقد شرحت بالتفصيل معنى
"التقنية-المالية" ، التي قال عنها سابقا ذلك المسؤول الرفيع "طز...فيها". لقد
دامت الجلسة من حوالي التاسعة صباحا إلى حوالي منتصف النهار ، حين قال رئيس اللجنة
انتهى. مضيفا ، أنه سيستمع للطرف الآخر و يرفع التقرير إلى
السيد الوزير لاتخاذ القرار المناسب. وأمر أحد أعضاء اللجنة أن يصطحبني للمطعم
لتناول الغذاء ثم الانصراف...
هذه الجنة جاءت
على غرار غفلة على تلك الجهات التي ساعدت ذلك الشخص و هي التي أوصلت الأمر لسيد
الوزير و في نيتها القضاء علي نهائيا بالضربة القاضية. لأن، في حسابها الوزير
سيصدر قرارا بمجرد عرض القضية عليه قد يكون ذلك القرار طرد من الخدمة...
لكن الوزير خيب
ظنهم بتحويل القضية إلى لجنة تحقيق لم
يعلموا بأمرها مسبقا لذلك لم يكون لديهم متسع من الوقت للمناورة خصوصا أن علاقتهم "عنكبوتية"
و"متشعبة". رغم ذلك استطاعت ، فيما بعد ، تلك
الجهات تمييع و تسويف نتائج تلك اللجنة، كما قلت آنفا ، والتي كانت في صالحي مائة
في المائة ...
بلقسام حمدان
العربي الإدريسي
13.12.2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق