Dig dans Une Mémoire

Dig  dans  Une  Mémoire
Dig dans Une Mémoire

محمد بلقسام (حمدان العربي الإدريسي)

محمد بلقسام (حمدان العربي الإدريسي)
محمد بلقسام (حمدان العربي الإدريسي) كاتب ، صاحب : مجموعة قلم ، ثقافة ، فكر و معرفة

آخر المقالات

12 ديسمبر 2015

( مسار حياة)... "طز " ... في التقنية المالية (12)



ماتت  أمي ، دفنت تحت التراب و توقفت  لدي  لغة التفكير وملذة الوجود ،  لقد ماتت  سعادتي وحلاوة حياتي  . بعد الدفن،  أقفلت عائدا إلى مكان عملي ، كانت في السابق تلك الرحلات  أكثر من ممتعة عندما كنت  ذاهب لزيارة أمي  أو عائد من عندها أوهي بجانبي في رحلة من هذه  الرحلات والسرور بارز من عينها و هي  تسألني عن اسم كل منطقة نمر عليها ...  
كنت أحس بقمة سعادتها ونحن نمر من تلك الطرق الريفية في وسط مناظر طبيعية خلابة . كان كل  شيء مزهوا و ضاحكا. تلك الطيور بمختلف أشكالها و ألوانها  وهي زاهية فوق أغصان أشجار تتبادل فيما بينها ألحان غزل. وتلك الأنعام بمختلف أشكالها  و هي ترعى في طمأنينة وهدوء وسط مروج خضراء لا ضجيج و لا ضوضاء...
أما هذه الرحلة بعد وفاتها  كان كل شيء كئيب ،  لم أعد أسمع تلك الطيور  ورايتها فوق أعشاشها  ساكنة حزينة وهي مطأطأة الرأس  أحسست أنها كانت تشاركني الكآبة ...
 حتى أغصان تلك الأشجار على حواشي الطرقات تخيل لي أنها تنحني عند المرور عليها كأنها عرفت بمصابي الجلل وتشاركني فيه. أما تلك المروج التي كنت أراه بالأمس خضراء اللون أصبحت أراها صفراء قاحلة كأن طوفان من القحط دمر اخضرارها...
 و في الصباح في اليوم التالي عدت إلى مكتبي وجدته كئيبا مظلما رغم قوة الإنارة. وأول يوم من عودتي إلى عملي اكتشفت  أن ذلك الشخص الذي كان  قبل أيام معدودة صديقا و  زميلا و بدون منصب محدد ، قبل أن يصبح المسؤول الأول بعد شغور المنصب  برحيل المسؤول الأول السابق...
قلت ، وجدته شاهرا سيفه مستغلا الظروف المعنوية الصعبة التي كنت أمر بها  ، كالذي يضع   ملحا  على جرح ما زال ينزف . لم يحاول عض يدي ، التي ساعدته للوصول و البقاء في  ذلك المنصب ، لكنه حاول قطعها  تماما...
 أكثر من ذلك ، نهش يد أمي وهي في قبرها ، التي أكرمته يوما بعد نزولنا ضيوفا عندها خلال مرورنا على بيت أهلي أثناء مهمة تدخل في إطار تلك  اليد  المساعدة التي قدمتها له للبقاء في منصبه و الزميل الثالث الذي كان يرافقنا كان شاهدا "عين اليقين" عن نوع تلك المساعدة...
أمي معروفة بحبها إكرام الضيوف ومهما قدمت لهم تعتبر ذلك غير كافي ، لكن هذه المرة زملاء و  أصدقاء ابنها  في ضيافتها  اعتبرت ذلك حدثا استثنائيا و أعلنت "حالة الطوارئ" ، هامسة في أذني في كل مرة "يا بني ، هذا غير كافي لضيوفك". وأثناء النوم أخرجت لهم  اغلي الأفرشة والأغطية المخزونة لديها...   
قلت ، أثناء غيابي و بعد عودتي إلى مكتبي وجدت ذلك الشخص مرر "أشياء" متحفظ عليها  "كميا و كيفيا" ، كميا تكلف الخزينة العمومية أموالا  طائلة...
 و" نوعيا" هي  عيوب مستديمة في جسم الانجاز تهدد سلامته وتقصر مدة عمره الافتراضي  .  ويرقى ذلك إلى "خيانة الثقة و  الأمانة" . لأن لا أحد يستطيع فيما بعد اكتشاف تلك العيوب الباطنية   وتصبح في علم الغيب...
 لذلك أعتقد أن نزاهة المسؤول هي الضمان الوحيد وخصوصا في الانجازات الكبرى و الهامة وإذا غابت هذه النزاهة لا تفيد بعد ذلك لجان التحقيق حتى و لو جيء بأمثالها مددا...
نبهت ذلك المسؤول  بتقرير "تقني-مالي" تفصيلي ، لكنه كان تحت تأثير و سيطرة  "الغرور" و  "التكبر" و "التفرعن" ، المبكر   راميا  ذلك التقرير في سلة المهملات صادرا  قرارا بإقالتي من منصبي وبعد أيام جاءه الرد من المركز أن ذلك ليس من صلاحياته...
ومن هنا بدأت بينا حربا مفتوحة هدفي  كان الدفاع عن الحق العام في حدود وظيفتي وهدفه كان إزاحتي و  الانتقام مني وأصبحت عنده كل الطرق مشروعة...
   وللأسف وجد قنوات نافذة ساعدته "ظلما وزورا" على اكتساب جولات لكن في الجولة الأخيرة والحاسمة استيقظ الحق من سباته العميقة  وسحقه سحقا وكانت جولة "الضربة القاضية" ...
 ولا أعرف أن كانت تلك الجهات النافذة التي ساعدته زورا أصابها نوع من الخجل عندما ظهر الحق وزهق الباطل ،  "لكن لا أعتقد أن ذلك الخجل حصل فعلا"... 
كانت الجولة الأولى من المواجهة في صالحه وفاز بها" بالتواطؤ" :  ذات صباح جاءني استدعاء عاجل من جهة عليا،  كنت أظن أن تلك الجهة تريد المزيد من الشرح و التوضيح... 
حملت حقيبتي وقصدت تلك الجهة المذكورة، أخبروني في السكرتارية أن علي الانتظار لأن تلك الجهة مشغولة، هذا شيء عادي. لكن عندما طال ذلك الانتظار بدأ يدخلني إحساسا بأن الأمر ليس كما ظننته وان هناك مفاجأة غير سارة تنتظرني داخل ذلك المكتب...
بعد مدة طويلة ، نادني الحاجب بأن علي الدخول في أول خطوة خطوتها داخل ذلك المكتب الضخم و إذ بصوت جوهري يأتيني من خلف مكتب فخم صائحا ، قف هناك، (بمعنى عند الباب) ...
 وعندما رفعت رأسي وجدت خصمي جالسا بجواره وبجانبه شخصية كبيرة تحتل منصب رفيع ، بمثابة المستشار التقني لتلك الجهة العليا  ،  يحتسون في الشاي. وهنا اتضحت لي الصورة تماما وقلت بيني وبين نفسي "الله يستر"...
وبدأ ذلك المسؤول الكبير يصرخ في وجهي ،  "وش هذه الفوضى وعدم الانضباط..." . وهنا حاولت مقاطعته،  رد علي  بقوة "أسكت ..." ...
رغم ذلك قاطعته بصوت جوهري اهتز له أركان المكتب  ، قلتها في البداية باللغة الفرنسية:  "C’est une affaire Technico-financière  et non disciplinaire…  " ، وكررتها باللغة العربية : " المسألة تقنية- مالية و ليست انضباطية "...
وهنا صاح في وجهي بسخرية : "طز"  ، فيك و في التقنية المالية "انتاعك" ... مضيفا ، أن بسبب هذه التقنية المالية "أنت و  أمثالك " ، توقفت عجلة الاقتصاد و أفلست المؤسسات و سرح العمال...
 الحمد الله أن ذلك حصل قبل الأزمة المالية العالمية  ، لو كان الأمر عكس ذلك لاتهمت بأني "أنا هو السبب في إفلاس البنوك والمؤسسات المالية وعلى رأسها وول ستريت"، ولتم تقديمي إلى محكمة الجرائم الاقتصادية  ، تنشئ خصيصا لي...
أنا على يقين أن تلك الجهة العليا  لم تكون فاهمة الموضوع و ذلك الشخص ليس باستطاعته الوصول أو التأثير على مثل تلك جهة عليا...
 ولكن ، بدون أدنى شك ،  الذي ساعده و مهد  له الطريق هي تلك الشخصية النافذة التي كانت حاضرة في اللقاء، تلك الشخصية كانت مصدر ثقة بالنسبة لتلك الجهة العليا والعبارة الشهيرة "طز...  في التقنية المالية" ، بدون أدنى شك ، هي من أفكار ذلك "المستشار التقني" المذكور آنفا ...
الإنسان ، يشعر في بعض المواقف  بالإحباط و اليأس عندما يتحول من مدافع عن الحق العام في حدود وظيفته و صلاحيته ، إلى متهم يهان على أبواب المكاتب...
وآخر متهم بخيانة الأمانة ، ولا أعرف إن هناك شيء أقبح من خيانة أمانة  ، ومع ذلك تراه أمامك مكرما "يحتسي في الشاي"...
 لكن ، الرجال مبادئ و معادن و تلك المبادئ مرتبطة ارتباطا أساسي بمعدن الإنسان ، المخلوق من تراب والتراب خليط من معادن...
بمعنى ، الذي معدنه من "الزنك" أو "الحديد" ، السريع الصدأ و التفتت ، عكس تماما من الذي معدنه  ثمين ،  كالذهب أو الفضة...
وأمي ، رحمها الله، عندما حلمت قبل ولادتي بذلك الرجل الذي أهداها ذاك  الوعاء  لم يكون من "الحديد" أو "الزنك" وإنما كان من معدن ثمين ألا وهو "الفضة" ، وهنا يكمن السر ...








بلقسام حمدان العربي الإدريسي
10.12.2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق