رجلا ، في زمان ما
ومكان ما ، كان يمشي على ارض الله الواسعة و به يمر عليه رجلا مسرعا ممتطيا فرسا
من أغلى و أجود الخيول ، لا يمتطيه إلا صاحب مالا وشأنا. تماما كالعصر الحالي
عندما يمر عليك شخصا وهو يقود سيارة من آخر ما أنتجته عقول ومصانع "مرسيدس-
بنز"...
نظر ذلك الرجل
الماشي للأعلى والحسرة والغبن يملأن وجدانه قائلا "ربي ، نحن جميعا عبادك
لماذا واحد ترزقه حصانا يركبه والآخر على رجليه يلهث ". ووصل سيره وفجأة
صادفه في سيره شخصا عليلا و هو يزحف على يديه ورجليه ...
وهنا رفع وجهه مرة
أخرى للسماء و هو يصيح "ربي ، لا ترفعني درجة ذلك الراكب و لا تنزلني مرتبة
الزاحف أرضا وأنا راضي كل الرضا عن حالي..."...
هي قصة تراثية ،
بمعنى قد تكون حدثت فعلا بالشكل المذكور أو قد تكون قصة افتراضية وفي كلتا
الحالتين هي قصة واقعية موجودة وتبقى الى يوم يرث الله الأرض وما يدب عليها ،
ماشيا ، راكبا أو زاحفا...
وكما تم ذكره في
مواضيع سابقة ، سبب تعاسة الإنسان أنه لا يرضي على حاله حتى لو كان راكبا أمواج من
العسل على مراكب مصنوعة من الذهب الخالص...
أبونا و سيدنا ادم،
عليه السلام، صنعه وخلقه الله عز وجل، ورزقه
بجنة ، لا يحزن و لا يشقى فيها لكنه لم يرضى على حاله وخضع لوسائس الشيطان ليجد نفسه في حياة
الدنيا كلها شقاء ، بلاء و مصائب...
وإذا عرجنا على
التاريخ العميق نجد جبال و جبال من الأمثلة على عدم رضا الإنسان على حاله مهما أتي
من ثروات لا تملاها كل خزائن الدنيا ...
ذلك الرجل الماشي
عندما رأى الزاحف لمس النعمة التي هو فيها وذلك الزاحف لو يرى ذلك الراقد
الذي لا يستطيع التحرك من مكانه ، بدون أدنى شك ، سيحمد الله و يعتبر ذلك الزحف
على الأرض نعمة...
وقد عبر عن ذلك
أحسن تعبير الشاعر القائل " أيها الشاكي وما بك داء ... كيف تغدو إذا غدوت
عليلا" . بمعنى ، كيف يغدو ذلك الماشي إذا أصبح زاحفا لا يستطيع المشي و كيف
يغدو ذلك الزاحف إذا أصبح راقدا لا يستطيع التحرك ، وهكذا...
وإذا كان الإنسان
جميلا (جمال النفس و ليس الوجه) ، فانه ، بدون أدنى شك ، سيرى نفسه وكل ما حولها
جميلا . ربما هذا مستحيل لأن تركيبة الإنسان المعقدة لا تسمح له بهذه الرؤية...
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
23.11.2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق