قلت، بالإضافة إلى عملي التقني والإداري اليومي ،
اختيرت عضوا في لجنة تقنية مركزية ، دور هذه اللجنة الدراسة التقنية لعروض
الانجازات ومدى تطابقها مع دفاتر الشروط وتقديم التوصيات اللازمة للجهات
المعنية...
قلت أيضا، من هذه
اللجنة بدأت مشاكلي و متاعبي المهنية وبدأ أول احتكاك سلبي مع "ديوان
الدسائس"، الذي كان يهيمن على مفاصل المصلحة ...
ويعتبر هذا الاحتكاك الأول بسيط جدا مقارنة ما
هو آتي، من مواجهة دامت ما يقارب عقد ونصف من مشواري المهني. وإذا كنت أنا الأقوى تقنيا و "منطقيا"...
إلا أن قوتهم تكمن في دسائسهم وعلاقات "عنكبوتية" تربطها مصالح ومنافع
شخصية مشتركة ومتبادلة وبها يستطيعون تحويل الحق إلى باطل و العكس صحيح...
وكما هو مشار إليه
سلفا ، تأثير هذا "الديوان و دسائسه " ، كان
محدودا بوجود مسؤول أول قوي ومتمكن وبرحيله فسح المجال كليا لهذا
"الديوان" وبالخصوص بعد انضمام إليه (الديوان) ، "أستاذ وتلميذه" ، آخر ما أنتجته مدارس
"التزلف" و "الرياء" و "علم وفنون الدسائس"
...
يوما وأنا في
مكتبي جيء لي بورقة ، قلت ورقة وحيدة ، وطلب مني الإمضاء عليها ألقيت نظرة على تلك الورقة وجدت كل أسماء اللجنة
التقنية وبجوارها امضاءتهم بما فيهم رئيس
اللجنة...
طلبت استفسارا قيل
لي هذا "قرار التقني" . بطبيعة الحال رفضت الإمضاء تلك الورقة وبعد برهة
قليلة جاء أحد كبار "ديوان الدسائس" غاضبا والشرر تتطاير من عينه، رغم
معروف عن هذا الرجل أنه هادئ لا يغضب أبدا (يبدو الأمر جلل) ، صارخا في وجهي قائلا : "أنت مالك ... لماذا رفضت الإمضاء . مضيفا بصوت عال ، أنت
خير من الآخرين ، الم ترى رئيس اللجنة نفسه ممضي"...
أجابته في صيغة سؤال : "امضي ؟ ...على ماذا ؟...على شيك على بياض ؟؟؟"، مضيفا له بحزم وثقة نفس ، قائلا له: " أنا لا يهمني رئيس اللجنة أو غيره ،
ما يهمني احترام القانون والأصول ، وإذا
أرادت أن أمضي أتيني بالملف لأدرسه وأدون عليه ملاحظاتي التقنية وبعد ذلك
سأمضي"...
وهنا تسمر في مكانه وعيناه مشدودة في اتجاهي
كأن على رأسه طيرا أو كأنه في تلك اللحظة فقد لغة التفكير ، ويبدو أنه هذه أول مرة يجد نفسه في هكذا موقف و
يسمع مثل هكذا كلام ...
وبعد لحظات وعودة
تفكيره للعمل انقضى على مكتبي بعصبية وأخذ قلما مشطبا على اسمي من تلك الورقة بقوة
وعنف حتى كاد أن يمزق الورقة ثم انصرف...
من تلك اللحظة لم أعود عضوا في تلك اللجنة و
استبدلت بزميل في المصلحة (رحمه الله)، من نفس الاختصاص لكنه يسبقني في الأقدمية...
كنت انتظر في
مواجهة مع رئيس اللجنة وهو في نفس الوقت المسؤول الأول للمصلحة ، لكن ذلك لم يحدث
بما معنى ليس على علم بهذا الأسلوب ...
حتى ذلك المسؤول الذي تصادمت معه تظاهر بأنه نسى
الموضوع لكن في الواقع عكس ذلك والمستقبل كشف ذلك وخصوصية هذا الرجل أنه كتوم يظهر عكس ما يبطن ، له حساباته الخاصة به ، لا
"يخرج للعيب" ، ويترك غيره ينوب عنه
في ذلك .و للإشارة المسبقة أنه
أصبح فيما بعد الرجل الأول في المصلحة...
وعندما سألت فيما
بعد هذا الزميل ، الذي أخذ مكاني في عضوية اللجنة ، لماذا يمضي على قرار لم يشارك في صنعه ، أجابني
بكل صراحة : "شوف ، يا صديقي أنا أخاف وليس لي شجاعتك "...
صدقت، أيها الزميل
والصديق العزيز ، على المرء أن يخاف ويخشى من أمثال هؤلاء . صنف تسري في عروقهم كل أنواع الأذى و كل
الأساليب لديهم مشروعة و لا يصفحون عن خصومهم حتى عند المقدرة...
لكن حتى الخوف منهم لا يتركونك وشأنك، لأن
العداوة هي قاعدتهم وعكسها استثناء نادر ومؤقت، بمعنى ظرفي تمليها الظروف.
"ينهشون" حتى بعضهم البعض عندما لا يجدون خصما "ينهشونه" أو
عندما يحصل أحدهم على مزايا وظيفية أعلى
منهم ...
ما يؤلمني كثيرا أيها
الصديق العزيز ، الذي قضيت معك سنين مهنية طويلة ومثيرة ، لم اعلم بوفاتك إلا بعد عامين. لقد كنت زميلا و صديقا كان لك
الفضل علي وساعدتني ماديا عندما كنت بحاجة إلى ذلك . "اللهم أجعل ذلك في
ميزان حسناتك"...
سامحني يا صديقي،
أنت واستني (مواساة) ، عند وفاة أمي و لكن
أنا لم أواسي والدتك عند رحيلك. ما يؤلمني أكثر
إني أجهل مصير هذه العجوز الفاضلة ، أهي بجانبك في الحياة البرزخي ، أم
مازالت في الحياة الدنيا تتجرع مرارة فراقك...
بالتأكيد أنت في انتظاري في البرزخي لتعاتبني على تقصيري، لكنك و بالتأكيد ستعذرني عند معرفة الأسباب.
سأقص عليك بالتفصيل "مسار حياتي"مع "أزلام الديوان" ، في
لقاءنا البرزخي المرتقب سأعترف لك بأنك كنت على حق عندما عبرت لي يوما أنك من هؤلاء
"الأزلام" تخشى و تخاف...
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
18.11.2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق