Dig dans Une Mémoire

Dig  dans  Une  Mémoire
Dig dans Une Mémoire

محمد بلقسام (حمدان العربي الإدريسي)

محمد بلقسام (حمدان العربي الإدريسي)
محمد بلقسام (حمدان العربي الإدريسي) كاتب ، صاحب : مجموعة قلم ، ثقافة ، فكر و معرفة

آخر المقالات

10 نوفمبر 2015

(مسار حياة)..." ظلال سنوات سمان " (4)




ذكرت سابقا ، حلت  علي بركات "سنوات سمان"  آكلة "سنين الذباب " . سنين ،   سببها رفضي الانخراط  في حملة  "اصطياد الذباب" لعصافير المعلمة اللغة الفرنسية وزوجها مما فقدت العلاقة الحسنة معهما وبالتالي مع مدير مدرسة، وطني الجنسية أجني الإحساس والأفكار ...
مما كلفني ذلك الرجوع إلى الوراء خمسة سنين ، بحجة إني ضعيف في اللغة الفرنسية ،  أضف لهم ثلاثة أو أربعة سنوات ضياع بعد عدم تمكن والدي من تسجيلي في مدرسة حكومية أبان الاحتلال بحجة عدم وجود أماكن لأن والدي البسيط لم يكون له جاها لدى إدارة المحتل وعلاقة غير حسنة مع حاشية ذلك  المحتل لكي تتوسط له في عملية التسجيل...
 وباءت محاولات أبي المستديمة و المتكررة بالفشل. لذلك سجلني في مدرسة خاصة تحت إشراف جمعية وطنية  ، ولم يتمكن والدي من تسجيلي في مدرسة حكومية إلا بعد نعمة الاستقلال...
وكانت سنوات مدارس خاصة مفيدة جدا من حيث نوعية التعليم، مما مكني الاندماج السريع بعد دخولي المدرسة الحكومية. ولا أعلم لماذا كان والدي مهتم كثيرا بتعليمي من بين أخواتي. ربما كان يرى في حلمه الضائع بعدم تذوقه حلاوة العلم...
كنت صغيرا السن لكن إحساسي المتشبع بتربية عائلية محافظة على الأصول وحب الأوطان أساس أسس الأصول،  جعلني أحس بافتخار و اعتزاز يوم رحيل هؤلاء الغزاة وهم يجرون الخيبة و ألام الرحيل ومن وراءهم عملائهم و  أذنابهم ...
وأتذكر أيضا كنت يوميا  مع والدي مع جموع غفيرة على أرصفة الشوارع أيام الرحيل لأرتال المحتل وهي متجه نحو الميناء لتحملها البواخر إلى ما وراء البحار من حيث أتوا. وكنت أتمنى لو تلك البواخر تغرق في قاع المياه  ليكونوا طعما لأسماك القرش لتكتمل الفرحة...
تلك الارتال كانت أيضا  تحمل أذناب المحتل من العملاء الذين باعوا العرض و الأرض و كانوا اليد الوسخة التي كان يصطاد بها المحتل الشرفاء أبناء الحقيقيين لهذا الوطن ...
وأتذكر جيدا  هؤلاء الأذناب وعائلتهم  كانت تحملهم شاحنات عسكرية  مكشوفة مارة على أسواق و أحياء سكنية في وضعية اذلالية (من الذل) ، وكان بإمكان تلك الأرتال تسلك  طرق خارجية أخرى بعيدة عن أعين الناس المتشوقين لرؤية تلك اللحظة  لكن المحتل كان يقصد بدون أدنى شك إذلال عملائه كأنه يعطي درس للآخرين بأن العمالة للمحتل نهايتها الإذلال ...
وكان  ضجيج محركات تلك الأرتال ممزوجة ببكاء الأطفال ونحيب النساء وعيون العملاء  زائغة للأسفل ، تلاحقهم  لعنة  الرحيل  عن الأهل و الوطن ولعنة التاريخ لا تغسلها لا الأيام و لا السنين ...
هؤلاء الأذناب لم يصلوا حتى إلى مرتبة "ضفدعة" ، ذلك الحيوان الصغير الضعيف القائل جملته المشهورة " حرق الأكباد و لا مغادرة الأوطان" ، وذلك بعد أن طلب منها (الضفدعة) مغادرة مكانها تواجدها لأن الغابة تحترق حفاظا على أولادها . كانت تمنى حرق فلذات كبدها و لا مغادرة وكرها ...
  و كانت هذه  ضريبة العار  دفعها هؤلاء العملاء عن خيانة الوطن  .  لكن ، تأكدت فيما بعد أن تلك الأرتال لم تكون تحمل كل الأذناب ومن بينهم ذلك المدير المدرسة المذكور العربي جسدا  فرانكفوني الروح واللسان   ...   
ربما لو كان ذلك الشخص مع الراحلين في تلك الشاحنات لما حصلت لي "أزمة اصطياد الذباب" وضياع تلك السنوات الثمينة من مشواري التعليمي ...
وكيف لي أن أكون " صياد الذباب" لبقايا محتل و أذياله و "زغردة" أمي مع نسوة الحي كانت مازالت ترنن في أذني فرحة بيوم رحيل المحتل وشروق فجر الاستقلال...
فجر لم يأتي هباء بل بعد ليل طويل دامس دام أكثر من قرن وربع قرن من الزمن لتأتي سنين السمان . وحالتي تعتبر امتداد أو نموذج مصغر لما وقع للوطن...
لقد جاءتني "سنين السمان" وأكلت بالفائض جميع "سنوات الذباب". وفي الحياة الدنيا لكل شيء ضريبته وضريبة استقلال الأوطان  تدفع بالدم والدموع. وكرامة الأوطان  من كرامة الأفراد ...
وإذا كانت "سنين السمان" للوطن بدأت بيوم الاستقلال فان "سنواتي السمان" بدأت يوم نجاحي في مسابقة لدخول مدرسة وطنية تقنية عريقة وتخرجت منها وبدأت منها حياتي المهنية لأفرض نفسي بقوة مكنتني من اختراق حاجز الصعود ...
وتواصلت تلك السنين تلقي علي ببركاتها بعد  ترشيحي لمواصلة تعليمي ودخول كلية هندسية عليا تخرجت منها بتفوق باهر ليتم تعييني  ضمن إطارات مصلحة مركزية...
  بمعنى ، الوصول للمنبع  ودائما القريب من العين يكون  قريب من القلب والإنسان في  مركز صنع الحدث ليس كالذي يقرأ الحدث . ومن هناك  بدأت حياتي المهنية أكثر إثارة..وقلت لكل شيء ضريبته و للنجاح وصعود السلم  ضريبة وللنزاهة والكفاءة والجدية ضريبة مضافة...







بلقسام حمدان العربي الإدريسي
08.11.2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق