ذكرت سابقا ، ذات
الصباح استدعني المسؤول الذي اعمل تحت إمرته ليبلغني ، قائلا مازحا:
" استعد للرحيل...
إلى أعلى". مضيفا والسرور و الارتياح
بادية على محياه " لقد تم قبول ترشحك..."...
ومن هنا بدأت
" سنوات الصعود " ، لتمحو
"سنين العجاف". لقد كانت ضربة العمر لن تكرر كثيرا في حياة الإنسان،
بقفزة واحدة اختصرت فيها عدة مراحل أحدثت تحول جذري في مستقبلي المهني و المعنوي
أمحت وداست بالكامل على لعنة "سنين
الذباب" ...
فرحوا كثيرا
أصدقائي في العمل وهللوا
لي كثيرا لن أنسى ذلك. وفرحوا أيضا خصومي الذين كانوا يعتبرونني حاجزا في مسعاهم
الشخصي و بالخصوص كنت مسؤولا عن أهم مصلحة التي "تولد عسلا " وهؤلاء
انقطع عنهم "لحس الأصابع" ، ولسان حالهم يقول " ليذهب... حتى إلى الجحيم"...
أتممت السنة التحضيرية
بنجاح كامل وبمعدل مكنني من الدخول لكلية هندسية متخصصة وبعد سنوات الدراسة المطلوبة
تم تكريمي ضمن الخمسة الأوائل للدفعة...
لقد أدركت أن الله
،عز وجل ، استجاب بالكامل لدعوات أمي ،
رحمها الله واسكنها فسيح جنانه مع عباده الصالحين ، لقد نلت رضاها بالكامل و كانت
لا تنقطع عن الدعاء لي من الصباح إلى المساء ، دعاء كان الدافع القوي الذي
كان يجذبني إلى الأعلى ...
وبوفاتها توقف ذلك الدافع المعنوي ليحل مكانه
فراغ رهيب وانقطع لدي بريق الصعود، لكن في الأخير ليس على المرء إلى تكرار " إن
لله وان إليه راجعون"...
لقد تنبأت لي أمي
مسبقا بهذا الصعود الباهر . قائلة لي إني أراك في الأعلى. وتضيف لي دوما المهم أن تحافظ على الأمانة التي
تؤمن عليها . والمسؤولية هي أمانة...
وكانت تقول لي
أيضا، الإخلاص و الإتقان والسمعة هي عوامل نجاح الإنسان وان لم ينجح "يخرج
سالما". وبما إن النجاح نسبي، قد يكون الإنسان في أسفل السلم ومع ذلك يرى
نفسه ناجحا وهناك من هو في أعلى السلم رغم ذلك لا يرى النجاح...
شخصيا، رغم أن
المسلك المهني كان مفتوحا أمامي لأصل إلى أبعد بكثير من الدرج الذي توقفت عليه،
رغم ذلك اعتبر نفسي ناجحا و "خرجت سالما" ونظيف اليدين، وهذا ما كانت
تقصده أمي، رحمها الله...
هذا ليس تقييم مني
لنفسي، لأن لا يمكن لأي إنسان مهما كان أن يقيم نفسه، وإنما هم تقييم واعتراف
مكتوب ومسجل بلغ إلي رسميا من أعلى سلطة باقتراح من أعلى هيئة رقابية معترفة إلي
بثلاثة صفات: " Compétence, Intégrité
et le sérieux "
. بالعربي: " الكفاءة، النزاهة و الجدية".
(اعترافا سآتي على ذكره في مواضيع
قادمة). وفي عالم الرداءة تصبح هذه الصفات عوامل فشل بدل عوامل الشهرة ...
قلت، أكملت دراستي
في كلية هندسية بمعدل أكثر من مشرف وهذا التخرج كان تحول نوعي في حياتي المهنية.
لقد تم تحويلي إلى إدارة مركزية أصبحت على
اطلاع على أمور زادتني معرفة في ميدان تخصصي ضمن فريق عمل متكامل استفدت من تجاربهم التقنية والإدارية...
ومنذ وصولي إلى
هذه المصلحة المركزية وجدت نفسي عضوا لجنة تقنية مركزية لدراسة العروض. هذه اللجنة
مهمتها دراسة العروض التي تقدم لمختلف الانجازات ومدى تطابقها مع دفاتر الشروط
وتقديم التوصيات للجهات المعنية...
ومن هنا بدأت متاعبي و مطبات (ج.مطب) المسار ، رغم أن هذا المطب كان الأبسط من "المطبات"
المستقبلية في مسار حياتي المهنية والتي كانت السبب في إنهائها (حياتي المهنية ) ...
لقد علمت من
الموجودين معي في المصلحة أن هذه اللجنة التقنية شكلية دور أعضائها الإمضاء فقط
على توصيات جاهزة...
أدركت حينها أن المواجهة آتية لا محالة، قلت بيني وبين نفسي
"الله يستر والله يخرجها على خير ". لأن ليس من طبعي الإمضاء على شيكات
على بياض ...
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
30.10.2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق