ذكرت في موضوع سابق،
الكرامة مكون منغرس في نفس البشرية وليس مكتسب، مثلها مثل المكونات الأخرى التي
تولد مع الإنسان، كالضحك، البكاء، الإحساس،
الخ...
وذكرت في الموضوع
المشار إليه ، رغم إني كنت صغير السن كرامتي وعزة نفسي لم تسمحا لي اصطياد ذباب لعصافير
المعلمة الفرنسية وزوجها ...
وكانت نتيجة ذلك ضياع خمسة سنين من مشواري
التعليمي بالتواطؤ مع مدير المدرسة الفرانكفوني الحاقد لكل ما هو عربي رغم أنه ابن
هذا الوطن الذي لم يكون في ذلك الوقت جفت بعد تربته (الوطن) من دماء الشهداء التي
سالت لكي لا يبقى أبناء هذا الوطن صيادين الذباب لعصافير المحتل و أذنابهم فاقدين
العزة والكرامة . أمثال هؤلاء ينتمون لهذا الوطن جسدا أم روحا و فكرا هم غير
ذلك...
وقلت أيضا أن
الله، عز وجل، لا يضيع أجر و حق من يصون
كرامته ذاك المكون الذي وهبه الله لعباده كأفراد أو كأمم وشعوب ...
والواقع التاريخي بين لنا أن من لا يصون كرامته
يداس تحت عجلة الاحتقار و الذل و المهانة، ولنا أمثلة في الثورات التحررية عبر
التاريخ والمقارنة بين أمم صانت كرامتها و طردت المحتل وهو يجر مرارة خيبة آماله...
وبين أمم فاقدة هذا المكون الثمين ورضخت للأمر
الواقع لتبقى للأبد وهي تصطاد للمحتل ما هو أحقر وأبشع من الذباب...
خمسة سنوات للوراء
كلفتني عدم الاستطاعة مواصلة دراستي المرحلة الثانوية في المؤسسات الحكومية بسبب
الحد السن المسموح به. لذلك لجأت إلى المؤسسات الخاصة لمواصلة تعليمي وكان ذلك عبء
ثقيل على والدي ، حفظه الله، المحدود الدخل...
وذات يوم وأنا
أطالع في جريدة يومية وإذ بإعلان منشور من
مدرسة وطنية مشهورة تنظم مسابقة القبول
وهنا بدأ الحظ يبتسم بعد سنين "الذباب
" العجاف. لقد تم قبولي ونجحت في المسابقة ...
تخرجت بعد سنوات
الدراسة وبدأت حياتي العملية كمسؤول و
مسير . وفي مدة وجيزة وقصيرة فرضت نفسي انبهر المسؤولون المعنيون لذلك وتحولت تلك المصلحة التي اشرف عليها من
العجز إلى الفائض ...
طبقت خلالها بحذافيرها نظرية "التقنية المالية" . نظرية
تعني أن أي انجاز لكي يعتبر ناجح لابد
النظر إليه من زاويتين ، زاوية تطابقه الدقيق مع المواصفات التقنية مع اقل
تكاليف ممكنة. بمعنى معادلة متساوية
الطرفين ، وإذا اختل طرف لن تصبح كذلك ...
وللوصول لذلك لابد من المسؤول أن يكون حازم
فاقد الخوف وليكون كذلك عليه أن لا "ينغمس" لكي لا يغرق ولكي لا يكون مجرد
تابع و خاضع ...
وهذه أول نصيحة
تلقيتها من مسؤول من طراز رفيع كان لي الحظ والشرف أن عملت تحت إمرته في أول مشوار
مهني...
لقد قال لي يوما "يا بني ، لكي تكون مسؤول
ناجح عليك عدم الخوف و لكي لا تخاف عليك عدم الانغماس". مضيفا " في هذه
الحالة خصومك سيكرهونك لكنهم سيحترمونك، وهذا المهم"...
وذات الصباح
استدعاني هذا المسؤول ليخبرني بأنه رشحني
لإجراء مسابقة دورية لأحسن الإطارات لإكمال الدراسة، مشيرا إني الوحيد المرشح...
مضيفا ، " يا بني ، طاقتك و إمكانيتك أعلى بكثير من المنصب الحالي
و تكون أكثر الإفادة في مناصب عليا".
ومن هنا بدأت سنين الصعود لتمحو سنين العجاف و الضياع سببها لعنة
"اصطياد الذباب"...
هذه الصفات التي مكنتني من فرض وجودي ونيل تقدير
واحترام هرم السلطة للإدارة التي انتمي إليها وبالتالي فتحت لي أبواب طريق الصعود
إلى الأعلى. رغم أني اعترف أن هذه الصفات
نفسها هي من كانت فيما بعد الحاجز في مواصلة مشواري المهني...
صحيح ، هذه الصفات
(الانضباط وعدم الانغماس ) كانت الحاجز في عدم
الصعود لكنها كانت أيضا المانع من السقوط الحر كما حصل لبعض
"المنغمسين" الذين غرقوا في وحل "الانغماس" والفرق شاسع بين
من يتوقف عن الصعود السلم وبين من يسقط من
أعلى السلم ...
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
26.10.2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق