أتذكر وأنا صغيرا ومدة وجودي في الحياة
الدنيا لا يتعدى عدد إصبع اليدين البشرية وكنت في السنوات الأولى من بداية مشواري
التعليمي...
كانت معلمة اللغة الفرنسية سيدة هي وزوجها ، هما من بقايا الراحلين عن الوطن الذين جرفتهم دماء الشهداء إلى ما وراء البحار من حيث أتوا ...
قلت ، تلك المعلمة كانت تدرسنا
اللغة الفرنسية وبجانبها زوجها ، العجيب في الأمر كانا يطلبان منا ( تلاميذ القسم) ، اصطياد لهما "الذباب" طعما
لعصافيرهما ...
وكان التلاميذ يتسابقون ويتنافسون في اصطياد اكبر عدد من الذباب و
الاحتفاظ بها في علب الكبريت و تقديمها للمعلمة وزوجها. وكل من يصطاد اكبر عدد
ممكن كان اقرب إلى عطف المعلمة و يكون تنقيطه أعلى...
وكنت الوحيد (إذا لم تخونني الذاكرة) ، الذي يرفض المشاركة في
"حملة الصيد الذباب" . وكنت اعتبرها اهانة و احتقار ..
العجيب ، إني كنت صغيرا سنا و لا افقه في أدبيات عزة النفس
وملحقاتها ، مما يعني أن الكرامة وعزة النفس مكون منغرس في نفس الإنسان و ليس
مكتسب...
المهم ، ساءت علاقتي كثيرا
مع تلك المعلمة وزوجها وكانا ينظران إلى
بكره وازدراء وكانت علامتي في مادة اللغة الفرنسية ادني علامة ربما على مستوى
المدرسة كلها مع ملاحظات إني تلميذ غبي وغير منضبط...
في ذلك الوقت لم افهم لماذا كان يكرهنني أيضا مدير المدرسة ،لكن
عندما أصبح عقلي على مقاس جسدي فهمت السبب ...
ذلك المدير ، هو ابن الوطن لكنه فرانكفوني أكثر تعصب من
الفرانكفونيين أنفسهم وتجري في عروقه حبه لغة المستعمر اكثر من حب فولتير لها ...
كان ذلك المدير يكره اللغة العربية ولا يخفي ذلك أمام الجميع وكان
يكلمنا ونحن صغار بان سبب تخلف العرب يعود إلى لغتهم . وبما انه كان ينظر إلى
بمنظار تلك المعلمة وزوجها حصل تقاطع بينهم
...
وذات يوم جاء ذلك المدير هو والمعلمة وزوجها بكتاب اللغة الفرنسية
وطلب مني قراءته وبسبب الخوف تلعثمت في القراءة ، قال ذلك المدير إن مستواك ضعيف جدا وستعود إلى السنة الاولى ،
بمعنى خمسة أقسام إلى الوراء...
رغم إني كنت من الأوائل في جميع المواد وكان معلم اللغة العربية
يطلق علي "زعيم القسم بدون منازع". كل ذلك لم يشفع لي عند هذا المدير ونفذ
قراره واعدني إلى القسم الأول مع تلاميذ
أول سنة تعليم ...
العودة إلى الوراء بخمسة
سنين كانت ضربة قاصمة أضرتني كثيرا في مشواري التعليمي والاستحالة اللحاق بالركب ...
وبما أن الله عز وجل لا يضيع حق من يعز نفسه ، فقد عوضني فيما بعد ومن حيث لم اكون احتسب ، بما هو أكثر
من تلك السنين التي أضاعت بسبب رسوبي في مادة "اصطياد الذباب"...
بلقسام حمدان العربي
الإدريسي
22.10.2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق