وأنا ماشي على
رصيف (طبعا، ليس على الطريق...)، التقيت صدفة صديق أستاذ وصاحب ثقافة عالية أجد
راحة فكرية كلما التقيت به وتناقشت معه، وبما نحن الاثنين لسنا من هواة المقاهي
مناقشتنا و حوارنا يدور لبعض الوقت حيث التقينا وهذه المرة كان على رصيف طريق...
ودائما مواضيع
حوارنا و نقاشنا تكون ثقافية تاريخية اجتماعية ، إلى غير من ذلك ... وهذا المرة
كان لقاءنا بالقرب من مخبزة أمامها طابور
طويل وعريض من رجال و أطفال وحتى "نسوة"، ( قلت "نسوة" و ليس نساء ، لأن النساء
لا يقفن في الطوابير المخابز ) ...
علق ذلك الصديق على
المشهد قائلا و هو يشير إلى الطابور
" قد يكون هذا المشهد عادي ولو هناك أزمة ، وبما أن ليس هناك أزمة ، إذن الأزمة موجودة في الفرد
نفسه الذي يرضى الوقوف في هكذا طوابير للحصول على مادة هي متوفرة ويمكن أن يتحصل
عليها في أي وقت من النهار من أي مخبزة من المخابز المنتشرة في كل بقاع و زقاق ...
مسترسلا في الحديث
، كيف يكون شكل الطابور لو أن هناك أزمة
حقيقية . رغم أن الأزمات أيام متداولة بين الأمم منذ خلق الله الأرض حتى يرثها و من عليها ...
وكان تعليق
الأستاذ يتوافق و يتطابق مع نظرتي للطوابير في وقت "لا أزمة" التي أرى
في هكذا طوابير نذر شؤم و تشاؤم و مقياس يقاس به كرامة الفرد وهي نواة كرامة
المجتمع والأمة...
وبما أن الكرامة هي العنصر الأساسي في تركيبة الإنسان
لا يمكن استرجاعها إن هي ضاعت منه. تماما كالمرأة لا يمكن لها استرجاع
"عذريتها" إن هي فقدتها ...
والكرامة لا يمكن
تعويضها لا بالمال و لا بالجاه ويبقى فاقدها ذليلا حتى لو امتلك أموال الدنيا و
ركب سيارات فاخرة أو امتلك عقارات أو ارتقى عاليا السلم الاجتماعي أو الوظيفي...
أتذكر و أنا صغيرا
، عندما كانت للكرامة قيمة وجودية، أصحاب
المخابز في تنافس شديد فيما بينهم يستعملون سيارتهم في نقل الخبز ، صباحا مساءا، وهم
يجوبون بدون كلل أو ملل كل الأحياء...
وللغرابة كان القليل من يشتري خبزهم ، لأن في ذلك الوقت كانت النساء يفضلن طهي الخبز
بأيدهن بدل أيادي الخباز، رغم أنهن (أي النساء) كن لا يتوفرن على وسائل الطي
المتوفرة حاليا . إلا أنهن كن يدركن معنى
الكرامة ، وأن الإنسان الذي لا يأكل مما ينتج أو على الأقل مما لا تطهيه يديه فهو
فاقد الكرامة ...
وهنا استحضر قصة واقعية
عن امرأة (من صنف "النسوة" ) ، كانت واقفة في طابور للحصول على الخبز وعندما
طال انتظارها صاحت في وجه صاحب تلك المخبزة قائلة له أنها واقفة في الطابور منذ
مدة طويلة...
فرد عليها صاحب
المخبزة ،" لو كنت فعلا امرأة من صنف النساء لكان كل وقت وجودك في الطابور
كافيا لطهي في بيتك خبزا يكفي لإطعام فرقة عسكرية كاملة...
وقبل فراقنا ، ذكرت
لذلك الأستاذ واقعة ، لم أشهدها لكني سمعت بها ، لأشخاص تعاركوا للحصول على سيارة
من آخر ما ابتكره العقل البشري ، كانت معروضة في إحدى معارض السيارات وفي أخر
أيام المعرض قرر أصحابها بيعها بدل
إرجاعها معهم إلى ما وراء البحار...
وكان يظن الأستاذ
في البداية أن السبب العراك لأن السيارة كانت
معروضة للبيع بالمجان ، وكاد أن يسقط أرضا عندما علم أن ثمنها فوق "المليار" وهنا لا أعرف
إن كانت بالعملة المحلية أو بعملة بلد المصنع . ودعني ذلك الصديق و لسان حاله يقول
"المال بدون كرامة"...
لأن من يملك كل
ذلك المبلغ وكان يملك معه الكرامة ، بمكالمة هاتفية واحدة و هو على سريره تأتيه السيارة و صاحبها إلى حيث هو ومعهما قصيدة شعرية تمتدح عظمته و كرمه...
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
21.10.2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق