تنتابني رعشة برودة وسيلان عرق
بارد "يتصبب" من جميع أنحاء جسدي كلما تمعنت في أفق
المستقبل ، وأجد نفسي أنطق في كل مرة و في بعض الأحيان ، عندما
أتمعن أكثر وأطول ، عدة مرات عبارة "الله يستر العاقبة"...
الخوف كل الخوف أن الأمة ، و
أعني بالأمة ، الأمة العربية الإسلامية ، قد أصبحت فعلا على هامش التاريخ،
وكل القطارات السريعة و الغير سريعة قد فات ميعادها فعلا وكل المحطات أقفلت
وعلى أبوابها لافتات مكتوبة بكل اللغات " ليس هناك قطارات أخرى في الأفق "
...
قد يظن البعض أن هذه قمة
التشاؤم لا مبرر لها ، وأتمنى من صميم القلب أن يكون الأمر كذلك . لكن كما
يُقال "المكتوب مقروء من عنوانه" ...
كيف يمكن تدارك ركبا بيننا وبينه فجوة
عرضها "أضع كم شئت من أصفار" على يمين عدد صحيح
من " سنوات ضوئية". أصبحنا مجرد مستهلكين بما يجيد به عقول
أصحاب الركب ، حتى هذا الاستهلاك لا نجيد استغلاله...
هذه الحالة تنتابني كلما مر
علي أو طالعت موضعا يتكلم عن مصير النفط و كم بقى من عمره الافتراضي. وتلك
التساؤلات والدراسات التي كثرت تبحث عن مستقبل هذه الثروة و إذا كان عصرها
قارب على الانتهاء...
والكثير من الخبراء حددوا فعلا
العمر المتبقي من هذا الذهب الأسود " . كيف تكون الأوضاع هذه الأمة بدون
نفط ، وكل شيء فيها قائم على النفط و لا شيء إلا ما تجود به صناعة نفط ...
هذه الثروة التي وهبها الله لهذه
الأمة ، و الله لا ينسى أمة من أممه ، تُركت تستهلك استهلاكا مكثفا
وبشكل لاعقلاني من طرف الآلة للدول الصناعية وهي تقول هل من مزيد ، و بالتالي
فقد ابتلعت عمليا تلك الدول و في مدة زمنية قصيرة وجد قياسية ، ربما أكثر من
نصف ما خزنته باطن الأرض خلال ملايين أو ملايير السنين ...
سبب هذا التهافت من تلك الدول
الصناعية عليه ( يعني النفط) رخص ثمنه أو قل حتى مجانا في كثير من الأحيان.
هذه الدول الصناعية لها البديل و لها مشاريع على الرف من بينها اجتلاب
الطاقة حتى من قلب الشمس و لا يهمها نضوب النفط والغير نفط . لكن كيف
يمكن تصور مصير أمة بدون نفط وليس لها أي بديل أخر ...
حتى الزراعة أهملت و تلك
الأراضي الخصبة التي كانت تنتج "الذهب الأخضر" أصبحت تنتج
"اسمنتا و خراسانيات" . وتم الاعتماد كليا ، من أغلب البلدان ،
على الاستيراد وهي تملك أخصب و أغنى الأراضي وأوفر المياه عجزت الأنهار
بطولها و عرضها على استيعابها ...
تلك الدول الصناعية التي تُسهل
، الآن كل عمليات التوريد لتلك الدول كل ما تحتاجه من غذاء و غير الغذاء (
وهي تدرك ما تفعل ) ،أول ما تفعله في حالة نضوب النفط توقيف تلك التسهيلات (
بالمعني العامي يقولون لنا : كلوا الآن بعضكم) ...
هي بدأت فعليا بتحويل
جزء من فائض منتجاتها الزراعية و الغير الزراعية إلى ما يعرف بالوقود الحيوي.
وكيف يكون حال لأي أمة تأكل مما لا تنتج...
هذا من جانب الأمن الغذائي ،
يليه الجانب الأمن الردعي .أمة لم تستغل هذه الثروة لتكوين أمنها الردعي لكي
لا تصبح كالحائط الذي يسهل القفز عليه على كل "حرامي" و
"مغتصب" ، كما حصل للعراق الذي تم ابتلاعه بدون هضم ،سيناريو قابل
للتكرار في أي زمان أو مكان ...
لنا مثال في كوريا الشمالية ،
رغم فقرها يصل في كثير من الأحيان حد المجاعة المميتة . ولا تملك من ثروات ما
تملكه هذه الأمة ، رغم ذلك الكل يخشاها و لا أحد يتجرأ الاقتراب منها ،
الأكثر من ذلك هي التي تهدد وتطلق النار كلما أرادت تذكير خصومها بصرامتها
و جديتها ...
أكثر ما يستطيع فعله خصومها
"مناورة بحرية " لإظهار نوع من الحزم ، لكن في الأساس ما هي
(المناورة) لمحاولة حفظ ماء الوجه أمام المارد
"الجائع البطن" المفتول العضلات...
والغريب في الأمر أن هؤلاء الخصوم
هم من يدعمون ذلك المارد غذائيا ولا يتركونه يجوع أكثر من اللازم،
لأنهم يعلمون عواقب "إذا جاع ماردا" ....
بللقسام حمدان العربي الإدريسي
11.06.2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق