والدي ، حفظه الله ، كان شاهدا على واقعة لها دلالات عميقة و عميقة جدا . ذلك
عندما كان شابا أجيرا عند أحد كبار المعمرين ، أثناء الحقبة الاستعمارية في
بداية القرن الماضي...
وفي إحدى الأيام ذلك "المعمر" كان واقفا في الخارج ، يراقب العمال و
هم يشتغلون في مزرعته المترامية الأطراف عندما وصلت للتو ابنته برفقة زوجها من
بلجيكا و جاءا لزيارته ...
بنت ذلك المعمر كانت في مقتبل العمر لباساها أكثر من محتشم ، كما يؤكد والدي .
إلا أن الفستان التي كانت ترتاديه تلك المرأة كان فوق القدمين سنتمترات
قليلة ...
بالمفهوم المبسط "كسر رقم"
مقابل المليارات في حساب الرياضيات، عادة يتم تجاهل مثل هكذا كسر و يعتبر رقم مهمل لا قيمة له ...
فجأة ، عند اقترابهما منه اشتعل ذلك المعمر غضبا و هو يصيح بأعلى
صوته على ابنته و زوجها وأمام الجميع متهم ابنته بأنها "..." ...
وأنها مجرد عارضة أزياء بالمجان
"ليهود بلجيكا " الذين يسعون لإشاعة
الفساد في الأرض من خلال ضرب الأخلاق وبالذات من خلال احتشام المرأة ...
وبالفعل رفض استقبالهما و طلب
منهما العودة من حيث آتيا وقال لها في المرة الآتية ليس من مستغرب أن تأتيني "عارية" أيتها "الفاجرة" ...
كنت أتمنى لو كان ذلك الشخص مازال حيا يرزق أو يبعثه الله مرة
أخرى في هذا العصر ، وهو على كل شيء قدير ، ليرى لباس ابنته مقارنة ما ترتديه المرأة في الوقت
الحالي "هذا إذا كنا نسميه فعلا لباس" أو كما
تنبأ فعلا ذلك الرجل بان ابنته ستأتيه في المرة القادمة "عارية"
...
بدون أدنى شك سيستقبل ابنته بالأحضان و يعتذر لها عما صدر منه بعد أن أصبح
لباس المرأة نفسه يقاس بالسنتمترات بدل الأمتار...
وإذا كان ذلك الشخص اتهم ابنته بعبارات "نابية" متهما
إياها بأنها مجرد عارضة أزياء ومسوقة لأفكار هدفها ضرب الأخلاق وأقصر طرق
لذالك هو لباس و حياء المرأة ...
فان تنبؤات الرجل تحققت فعلا وأصبحت المرأة شبه عارية و يا
ليتها كانت عارية تماما ربما كان ذلك أفضل من لباس منتخب لإبراز مفاتن تغري عقلاء
الرجال فما بالك بشباب في سن المراهقة و ما أدراك ما هي "
المراهقة" ...
وماذا ينتظر من كبريت بجوار بنزين إلا نيران و حرائق تأكل أسس المجتمعات و
تنسف نسفا استعداداتها النفسية وتصبح تلك المجتمعات غير قادرة
على التمييز بين الاتجاه السليم و الحسن من الأفعال القبيحة
التي تؤدي عادة إلى الانحلال و بالتالي إلى الهاوية...
وكل الأديان السماوية وآخرها الدين الإسلامي الحنيف ركزت على الأخلاق
كقيمة إنسانية يمتاز بها الإنسان وتميزه عن سائر المخلوقات الأخرى . والركيزة
الأساسية لهذه القيمة الأخلاقية هي المرأة ...
وتخيل ضرب ركيزة أساسية لمبنى شاهق
الأدوار . وهذا ما تنبأ به فعلا ذلك المعمر عندما اتهم ابنته بأنها "عارضة
أفكار " هدفها الأساسي تهديم تلك الركيزة الأساسية للمجتمعات ، من خلال هدم أسس حياء و احتشام المرأة ...
بلقسام
حمدان العربي الإدريسي
15.06.2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق