Dig dans Une Mémoire

Dig  dans  Une  Mémoire
Dig dans Une Mémoire

محمد بلقسام (حمدان العربي الإدريسي)

محمد بلقسام (حمدان العربي الإدريسي)
محمد بلقسام (حمدان العربي الإدريسي) كاتب ، صاحب : مجموعة قلم ، ثقافة ، فكر و معرفة

آخر المقالات

25 أغسطس 2018

" عيد الكوليرا" ...

في الحقيقة ، خبر انتشار وباء الكوليرا ، الذي أعلن عنه رسميا من طرف السلطات المعنية ، لم يفاجئني لكن الذي فاجأني هو تأخر ظهوره. وتأخر في ظهور أوبئة أخرى أشد خطورة وفتكا من الكوليرا نفسها...
قلت ، تأخر ظهور هذا المرض رغم كل مسبباته القاتلة هي موجودة ومتوفرة على الأرض الواقع منذ زمن بعيد، على الأقل حسب علمي و نظري . وإذا عرفنا إن السبب الرئيسي لظهور هذا المرض المعدي هي النظافة ...
فان هذا العامل ، النظافة ، هو مفقود أصلا وأصبح آخر اهتمام الفرد الاعتناء بنظافته الشخصية و نظافة المحيط الذي يعيش فيه.وبما أن هذا المرض معدي فإذا كان فرد واحد غير نظيف يؤدي ذلك إلى إصابة محيط بالكامل...
وللأسف ، هذا الفرد الذي نتكلم عنه هو مسلم . والإنسان المسلم قد تجده مقصرا في عدة أمور دينية أو دنيوية. وقد يكون ذلك مقبولا ...
حتى الله ،عز و جل، الخالق و العارف بالتدقيق تركيبته (الإنسان) قد يغفر له ذلك التقصير إذا كان لا يصل إلى مرتبة الشرك به...
لكن لا يمكن التصور "مسلما كذابا" أو أدنى من ذلك "مسلما غير نظيفا" جسدا و محيطا . وللأسف ، خاصيتين أصبحتا تميزان الإنسان المسلم ، على الأقل كما سلف الذكر ، حسب محيطي وهو مسلم بالكامل ومحيط محيط أيضا و ابعد من محيطي هو كذلك
وهذه ليست ملاحظاتي لوحدي ، وإنما يشاركني فيها الكثير و على رأسهم أئمة المساجد الذين يجتهدون مرارا و تكرارا في تنبيه المصلين في المساجد أن عليهم الاهتمام بنظافة المكان ، أي المسجد...
وإذا كان الشخص الذي لا يهتم بنظافة المسجد كيف يهتم بنظافة نفسه و محيط منزله والشارع...الخ. وكيف يمكن لذلك المسلم ، وهو ذاهب للصلاة المرور (مرور الكرام) على أكوام القاذورات المكدسة أمام باب بيته (هو واضعها) بدون أن يشعر بحرج . فضلات تنهشها القطط و الكلاب الضالة مصحوبة بروائح كريهة تزكم الأنوف لمسافات طويلة ...
وقد تدوم تلك الحالة لعدة أيام قبل مرور شاحنة جمع القمامة . لتعود الحالة كما كانت من قبل ، ربما في بعض الأحيان ، قبل أن تُغادر الشاحنة الحي نفسه...
ومناسبات عيد الأضحى بالخصوص تحولت إلى كابوس حقيقي تقزز منه الأنفس وهو يرى فضلات الأضاحي مكدسة على الأرصفة و الساحات العامة وأمام كل منزل...
حتى أن البعض يرمي تلك الفضلات مباشرة هنا وهناك بدون حتى يكلف نفسه و يملؤها في أكياس بلاستكية لتخفيف من تلك المشاهد و الروائح الكريهة...
أضف إلى هذا أن بعض الأحياء لا تمر عليها الشاحنات جمع تلك المخلفات إلا بعد عدة أيام قد تصل إلى 4 أو 5 أيام ، وعلينا تخيل المشهد...
هذا الفرد ،وفي كل خطوة في الشارع تراه يرمي يمينا و شمالا كل مخلفاته ، حتى "بصاقه" (أكرمكم الله) لم يسلم منه الشارع والرياح تنقله "بصاقه" لوجوه المارة بدون أن يشعر بأدنى حرج...
الأخطر كل من ذلك ، أصبحت نظافة المحيط مرتبطة بحدث ، حتى أصبح إذا رأيت عند مرورك على حي أو شارع ووجدت شخصا أو أشخاصا يقوم أو يقومون بعملية تنظيف وتبييض أمام منزله أو منازلهم أعرف يقينا أن "عرسا" أو أعراسا ستقام قريبا في ذلك البيت أو تلك البيوت ...
بمعنى النظافة أصبحت مرتبطة بفرح وعلينا الانتظار الأفراح لتنظيف أنفسنا و محيطنا ليكون لنا عيدا نسميه "عيد النظافة".أو "عيد الكوليرا" ، بمعنى مثل هكذا أيام "وباء الكوليرا" يتجنبنا احتراما لعيد نظافتنا ...
هذا جانب فقط على المستوى الفردي ، أما على الجانب العام قد لا يكون هذا هو السبب الرئيسي في ظهور هكذا أوبئة في المجتمعات ، قد تكون هذه العوامل الفردية  مساعدة فقط و لكنها ليست الرئيسية...
الرئيسية ، هي عندما ترى المراقبة الصحية العامة  ضعيفة أو منعدمة تماما أو لا تُبالي بأشياء قد تمس بالأمن الصحي للمجتمع. كمثلا المتاجرة بمواد منتهية الصلاحية ...
 بمعنى ، فاسدة أو مواد غذائية سريعة التلف تُباع تحت عوامل الطقس على حواشي الطرقات و الأسواق، كمشتقات الألبان وغيرها ، أمام أعين الجهات المعنية...
 أو الجهات التي تتعامل مباشرة مع الفرد كالمطاعم وغيرها ، مراقبتها ليست من صلاحية الفرد و إنما تكون من طرف المصالح المخولة قانونا ...
أغلب هذه المطاعم وملحقاتها المنتشرة كالنار في الهشيم ، معايير النظافة على وزن " المكتوب باين من عنوانُ" . بمعنى ، لا داعي الغوص أكثر في شروط النظافة فيها ...
فقط عليك مشاهدة مئزر "الشديد السواد" ،  من كثرة الأوساخ الملتصقة به ،  للعاملين بذلك وذاك المطعم لتعلم أي درجة وصلت إليه الشروط الصحية المعمول بها في تلك المطاعم التي تتعامل مباشرة مع بطون الناس...  
الأخطر من كل ذلك ، عمليات السقي محاصيل زراعية واسعة الاستهلاك البشري ، كمادة "البطاطس" أو "البطيخ" بجميع أصنافه، وغيرها ...
 تُسقى ،  بالمياه القذرة مصدرها وديان مصنفة في خانة الأكثر تلوثا ،  كمكبات  لجميع النفايات التجمعات السكنية و مراكب الصناعية و مخلفات المستشفيات و المراكز الصحية والمسالخ الحيوانية و غيرها ،. والمصيبة أن عملية السقي تجرى في بعض المناطق جهارا نهارا ، حتى يظن المرء أن العملية مقننة...
ولا يختلف اثنين عن ما تحتويه هذه المياه من مواد صلبة و غير صلبة الحاضنات الطبيعية للجراثيم الأشد فتكا بالأجساد البشرية حتى و هي مازالت أجنة في بطون أمهاتهم ، التي تنتقل إليهم الأمراض وهم لم يروا بعد الحياة...
ليس هذا فحسب ، تلك المياه الملوثة لا تُؤذي فقط البشر وإنما حتى التربة التي تصبح بفعل تلك المياه ومع مرور الزمن عاقرا جرداء...
 أضف لذلك المحيط البيئي ، الذي هو مصدر ديمومة حياة الإنسان على وجه الأرض . لأن عملية السقي تُجرى غالبا بالرش المحوري الذي يُوزع تلك المياه القذرة في الهواء الطلق...
والأخطر كل من ذلك ، تلك المياه تتسرب إلى أعماق الأرض  لتلوث مياه الآبار و الجوفية التي تُستعمل في شرب  الإنسان و الحيوان وأيضا في سقي الكائنات النباتية . يُعني خطر العدوى متسلسل و عام...
بالمختصر المفيد ، المسؤولية مشتركة بين الفرد  و المسؤولية العامة التي تتحملها الجهات المؤتمنة على مثل هكذا أمور . ودورها من المفروض لا يقتصر على رد الفعل و محاولة طمأنة الناس بعد أن يقع "الفأس على الرأس" ...
وإنما دورها يكمن في الوقاية وتفادي سياسة "تخطي رأسي". لأن المجتمع هو كائن عبارة عن كتلة واحدة أو بعبارة أخرى ، جسد واحد . والقاعدة معروفة عن معنى الجسد الواحد ...
و الأمن الصحي القومي  في مفهوم الاستراتيجي ،  يعتبر أسبقية عن الأمن القومي بمفهومه الأمني. لأن ما فائدة من امن قومي بدون أمن صحي، يصبح بموجبه  المجتمع مريضا  تنهشه الأمراض و الأوبئة . حتى العدو نفسه يتجنب غزوه و الاعتداء عليه   تعففا  و  خوفا من "العدوى" وتحمل مسؤولية علاجاته المكلفة...        






بلقسام حمدان العربي الإدريسي
25.08.2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق