رجلا سأله ابنه يوما لما يصبحا (الأب و ابنه)، هما
أيضا "قيادا" ( ثلاثة نقط على حرف القاف ، جمع قايد ، بالدارجة
"كايد" )...
وهو لقب
كالألقاب الأخرى (باشا ، أغا...) ، كانت تمنحهم قوات الاحتلال لفئة من أهل البلد
تختارهم بعناية ليكونون همزة وصل مع أهل البلد ويدها الضاربة لهم...
و اختيار قوات الاحتلال لم يكون أبدا على الكفاءة و حسن الخلق و إنما على الولاء
المطلق لها و لأوامرها لذلك جل هؤلاء يعلون في الأرض استعلاء ويوزعون على أهل البلد و بالوكالة عن قوات
الاحتلال البطش و الاحتقار و الظلم. المهم ، ليس هذا هو الموضوع...
قلت ، طلب الابن من والده أن يصبحا "قيادا"
، رد عليه والده "أنتظر يا بني حتى يرحل على الأقل من اللي يعرفوننا"...
بمعنى ، كيف لهما أن يصبحا بتلك المكانة الاجتماعية و
أهل البلد كلهم يعرفونهما كيف كانت حالتهما بالأمس المنظور و هما على حواشي
الطرقات و على أطراف الأسواق وأياديهم ممدودة للآخرين طلبا للصدقة لكسر شوكة جوع بطونهما
و لسترة أجسادهما الشبه عارية...
بمعنى أوضح ، أن هذه القصة نموذج صالح في الزمان و
المكان من الذين يكونون في حالة الأب و ابنه ثم يفتح الله عليهم بابا من أبواب
نعمته و قبل أن يرحل من كانوا يعرفونهم يتحول هؤلاء ، ليس لمرتبات "القياد" ، و إنما إلى
أعلى من "باشاوات" قصور الباب العالي...
فتجدهم يستكبرون حتى من كانوا بالأمس القريب يتلقون
منهم العطف و الشفقة المادية و المعنوية، فيصبح يركبون السيارات الفخمة بعدما
كانوا لا يجدون حتى ثمن تذكرة النقل الجماعي المزدحم و يمرون على أولياء نعمتهم في
الطرقات أو في مواقف الحافلات و كأنهم لا
يعرفونهم...
وأصبحوا يلبسون الثياب الفخمة لم تكون تلبسها حتى
السلطانة هيام في ذروة مكانتها. يقومون
الأفراح و لا يوجهون حتى دعوة الحضور لهؤلاء الذين كانوا يتألمون لحالتهم
الاجتماعية المزرية، لأن هؤلاء بنظرهم أصبحوا أقل مرتبة منهم...
وبما أن الله يعطي الرزق لعباده لاختبارهم و ليس
تفضيلا عن عباده الآخرين ودائما الكفر بالنعم نهايته البؤس و الشقاء ، هؤلاء قد
يعودون إلى حالتهم الأولى ربما قبل أن يرحل من كان يعرفهم...
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
30.07.2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق