بعد انتهاء الفترة
التربصية التقنية التي قضيتها في بلد "الإيمان في قلب الإلحاد" ، وعودتي
إلى مقر عملي وجدت اسمي مندرج في قائمة التحويلات وقرار نقلي
لمصلحة فرعية صدر بالفعل ...
في الحقيقة هذه
المرة "ديوان الدسائس " نجح في زج اسمي في هذه القائمة بعد فشله عدة
مرات في السابق، و في كل مرة كان المسؤول الأول للمصلحة يرفض مسعاهم ...
المسؤول المباشر ،
بعد المسؤول الأول ، كان يعمل المستحيل للتخلص مني ومن زميلي المذكور سابقا ، رحمه
الله. كان يعتبرنا منافسين حقيقيين له (بالخصوص أنا). هذا "لمسؤول
المباشر" المذكور ، كان عضوا نشطا و فعالا في "ديوان الدسائس" ...
لذلك كان يقترح في
كل مرة على المسؤول الأول تحويلنا (أنا وزميلي في المصلحة) ، بحجة لابد من اكتساب "خبرة ميدانية"
. رد عليه مرة المسؤول الأول ، قائلا
" أمثالك ، عليهم اكتساب الخبرة"...
وكان يعتبر تقرب المسؤول الأول للمصلحة منا (أنا
وزميلي) وتعامله مباشرة معنا واحترامه
وتقديره لنا ، كان يعتبره مؤشر أن المياه
بدأت تتسرب فعلا تحت كرسيه وخصوصا اختصاصه
ليس متطابقا لمنصبه...
بدأ هذا الإحساس
يتعاظم عنده خصوصا عندما قمت وبمبادرة شخصية مني بتقديم للمسؤول الأول "مشروع
عمل تقني إداري" ، في إطار
"العصرنة "و "التحديث" ...
مشروع أعجب
كثيرا المسؤول الأول للمصلحة وصادق
عليه وتم تعميمه على كل المصالح الفرعية ، صائحا في وجه الجميع عبارة
: "عندما يفسح ويعطى المجال
للإطارات الشابة ...". هي برقية مشفرة قرأها و فهمها أفراد "ديوان الدسائس" ومن بينهم
بالتأكيد المسؤول المباشر المذكور...
والبرقية الثانية
المشفرة التي سببت إزعاجا كبيرا ، عندما
استدعنا يوما المسؤول الأول ، أنا و ذلك
المسؤول المباشر المذكور ، وكلفنا بمهمة "تقنية-إدارية عاجلة" . هي
نفس المهمة لكنها في منطقتين مختلفتين ...
طبعا، هو اختار لنفسه المنطقة الأقرب وترك لي
مهمة المنطقة البعيدة. لم يكون ذلك يزعجني لأني كنت أهوى المناطق البعيدة والنائية
بما فيها من متعة السفر و الاكتشاف...
وبعد انتهاء من
المهمة استدعنا المسؤول الأول لتقديم له العرض والنتائج. بدأ ذلك المسؤول المباشر
بالحديث وقال كلاما عاما و مبعثرا لم يفهم
منه المسؤول الأول أي شيء...
وهنا صاح بانفعال في وجهه ، قائلا : "أنت كنت في مهمة أو في بيتك..."
. وأضاف له جملة ، أحسست أنها هي التي
أوجعته كثيرا ، قائلا له : "يبدو أنك
لا تصلح لأي شيء"...
وهنا ألتفت إلي
وشرارة الغضب والانفعال ما زلتا يتطايران من عينه، صائحا في وجهي: "... وأنت
؟". عدلت من جلوسي على الكرسي و بدأت العرض ...
قدمت
عرضا مفصلا و دقيقا ، مستعرضا
المشاكل ومعها الحلول التقنية و الإدارية مدعومة بمحاضر الاجتماعات مع مسؤولين
المحليين المعنيين بالمشكل...
أحسست بعلامات
الهدوء و الرضا بدأتا تتسرب إلى وجه ذلك المسؤول الأول وهو يستمع إلي بانتباه شديد حتى
أنه تجاهل الرد على الهاتف وهو يرن بقوة ولفترة طويلة...
عندما انتهيت من العرض طلب منا الانصراف ونظر
إلى ذلك المسؤول الذي كان مطأطأ الرأس والسواد منتشرا على وجهه قائلا له بسخرية ،
بمعنى (لا أتذكر جيدا العبارة) ، "على الأقل هناك من يصلح..." .
وكانت هذه "البرقية
الثانية" جد مؤثرة على ذلك المسؤول
وبدأ يتحسس فعلا أنه لن يستمر جلوسه طويلا على كرسي المنصب ومن هنا أعلن حربا
مفتوحة بالدسائس والإشاعات يوزعها يمينا وشمالا ، لم يستثني ذكرها حتى لزوار
أجانب عن المصلحة ...
من بينها
نشر و تذكير ، للتأثير
النفسي، بأمور شخصية تخصنا (أنا وزميلي
المذكور) ، حتى مرة نقل إلي أنه (المسؤول المباشر المذكور) ، ضبط يقص ذلك على
موظفة برتبة "عون آلة
راقنة" ، الفرق بينهما شاسع ، سنا ووظيفيا ، وهو يذكرها
منبسطا ضاحكا ، بعيوب عضوية موجودة فينا (أنا وزميلي). مما يكشف عن عمق الأزمة النفسية والأخلاقية التي كان
يتخبط فيها الشخص المذكور...
على كل حال أتوقف
هنا على ذكر هذا الشخص لأني علمت أنه توفى ، راجيا من الله عز وجل ، أن يرحمه
و يغفر له ولنا يوم الميعاد ونشر الصحف...
المهم ، قرار نقلي
صدر فعلا ، لكن لحسن الصدف في ذلك الوقت
بالذات بدأ التحضير لانطلاق مشروع ضخم وعملاق ، فعلا أنه "مشروع القرن" . مشروع لا يتكرر في حياة الشخص المهنية أكثر من
مرة، في أحسن الأحوال...
سارعت إلى طلب من
المسؤول الأول للمصلحة أن يتم تعييني ضمن الفريق المشرف عليه (المشروع المذكور).
والحظ كان بجانبي عندما وافق المسؤول
المذكور على طلبي بدون تردد ، رغم أن "ديوان الدسائس" أراد عرقلة ذلك ،
بحجة أن قرار التحويل صدر ومن الصعب تغييره ، لكن موافقة المسؤول الأول للمصلحة
كانت هي الحاسمة ...
وفعلا حزمت
حقائبي وسافرت إلى الجهة التي سيتم فيها
انجاز المشروع المذكور. ومن هنا بدأت رحلة
و حلقة أخرى في مسار حياتي المهنية وكانت أكثر إثارة من الحلقات السابقة...
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
02.12.2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق