قلت ، كنت ضمن وفد
تقني في فترة تربصية و تكوينية لدى احد مكاتب الدراسات و الانجازات العالمية العملاقة من أجل اكتساب الخبرة...
ذلك المكتب يقع في
عاصمة لبلد كانت يوما من أملاك "آل عثمان"، ومر من هناك يوما السلطان
سليمان وجنده غازيا و فاتحا ناشرا الراية الإسلام...
وكنت طلبت من الزمن أن يعود بي إلى الوراء تلك
القرون الفاصلة بين الزمنين لرؤية ذلك السلطان الفاتح والقانوني الذي ترك بصمات لن
يمحوها الزمن ...
رغم إني لم أحظى
بشرف رؤية السلطان العاشر من سلالة "آل عثمان" ، لأن الزمن لن يعود أبدا
للوراء ، إلا إني لمست بالحس المادي آثار
تلك الحقبة و رجالها . لقد كدت أرى حوافر فرس السلطان سليمان ومن ورائها حوافر
رجاله منبوشة ومنقوشة على الطرقات وحتى الأحجار...
لقد رأيت ضريحا
للأحد كبار رجال الدولة العثمانية بالقرب من إحدى الساحات العامة، للأسف لم أتذكر
اسمه، وأسفي إني كنت لا أدون معلوماتي ...
ذلك الضريح محمي بسياج والجانبين ، المؤمنين و
الملحدين ، ينظرون إليه كرمز من رموز تاريخهم وتراثهم ولا أحد يتعرض له بسوء ...
وكان لي الشرف أن
أديت صلاة الجمعة في مسجد بني في تلك الحقبة ( آل عثمان) ، وما زال على حاله ، أحجاره متماسكة تظنها أنها
ستقع في أي لحظة لكنها صمدت حتى مع أقوى هزات أرضية ...
لقد رأيت هناك
الإيمان صامدا في قلب الإلحاد. رأيت في
ذلك المسجد براعم يؤدون الصلاة ويقرؤون القران من وجههم ينبض نور تحسبهم طيورا وصلت للتو من الجنة لأداء الصلاة هناك...
وإمام مسجد يلقي في الخطبة بكلام جد مؤثر ،
مستشهدا بآيات قرآنية يقراها باللغة
العربية ثم يترجمها إلى لغة أهل ذلك البلد ومصلين مشدودة رقابهم لأعلى حيث منبر
الإمام يلتقطون بلهفة كل كلمة يقولها الخطيب والخشوع الإيماني ينبض من عيونهم ...
أناس امنوا
واسلموا وتوارثوا ذلك من جيل إلى الجيل رغم ما عرفته تلك المنطقة من تغيرات جذرية
هدفها محو كل آثار تلك الحقبة وأخطر تلك التغيرات "المد الأحمر" . الذي
صبغ باللون الأحمر كل شيء حتى أفكار وعقول الناس...
مع ذلك ، تلك
الصبغة الحمراء لم تستطيع تغيير لون قلوب هؤلاء الناس وكان نور إيمانهم اقوي من
لون تلك "الصبغة". ومن ذلك
الحين فهمت جيدا معنى قول الله ، عز وجل ، عن قوم أسلموا ولم يدخل الإيمان قلوبهم وبين آخرين اسلموا
بعد أن سطع نور الإيمان قلوبهم ووجدانهم...
يوما وأنا في مطعم
الفندق النازلين فيه وإذ برئيس الخدم ، وهو شخص فوق العقد الخامس من العمر يلمع من
وجه نورا عرفت أنه مسلم قبل أن يقول لي ذلك ،
جلس بجانبي وبدأ معي حديثا طارحا علي
سؤالا أحرجني حقيقة وكان مفاجئا لي ، لذلك لم يكون لدي ترتيب مسبق للإجابة.
...
قال لي ،
"أعرف أنكم من بلد مسلم ...لكني ألاحظ أن رفاقك في الوفد يطلبون ويتناولون
أشياء محرمة شرعيا كالخمر مثلا..." ، (وأشياء أخرى ، تقززا ، لا أذكرها )...
قلت له هل تقرأ شيئا من القرءان الكريم ، قال لي نعم ، قليلا .
قلت له ، إذن راجع جيدا الآيات الكريمة لتفهم السبب... ولم أوضح له الآية . وأنا
كنت أقصد ما قلته آنفا عن من اسلموا بدون أن يدخل الإيمان قلوبهم والذين أسلموا
بعد أن امنوا ... رغم أن أعضاء الوفد كلهم مسلمين وجلهم يصلي و يصوم.
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
27.11.2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق