" مجموعة أهم
الأحداث" : يصيب الإنسان إحباط وضيق في الأفق وفقدان للأمل عندما
تصطدم محاولته تغير منكر مثبت لا يستطيع تغيره لا بيده و لا بلسانه ليترك المجال
لقلبه كي يتعسر آلما وهو أضعف الإيمان...
أتذكر دائما ذلك اليوم وهو يوم جمعة خريفي
(فصل الخريف) قبل سنين (عامين أو ثلاثة) ، وأنا متوجها في الصباح الباكر إلى إحدى
المدن قاطعا إحدى المناطق الفلاحية طريقها
العام على جانبيه محاصيل زراعية كانت تسقى بالرش المحوري ، لكني فوجئت بروائح كريهة جيدا اخترقت زجاج نوافذ
سيارتي المغلقة .
في البداية ظننت أن إحدى قنوات صرف الصحي
تكون هي السبب قد يكون أصابها عطب ، وكانت تلك الروائح تزداد كثافة وفضوليا أرادت معرفة
السبب بعد أن تبين لي أن ليس هناك سبب واضح ...
توقفت على حاشية الطريق بالقرب من احد
الأشخاص كان واقفا سألته عن سبب هذه الروائح الكريهة التي لا تطاق فأشار بيديه
الموجهة إلى تلك المحاصيل التي كانت تسقى كما تم ذكره آنفا (الرش المحوري) ، لكن بعد
أن تبين إنني لم افهم ماذا يقصد نطق و قال
همسا ، هل ترى ذلك الرش المحوري الذي يقوم بعملية السقي ؟ قلت له نعم ، وما
العلاقة مع تلك الروائح ؟
أجابني بصوت أكثر خفتا كأنه يخشى شيئا ، بأن
تلك المياه قذرة مصدرها وادي يخترق
المنطقة تكب فيه كل مياه الصرف الصحي للعمران ونفايات المستشفيات ومراكز الصحية
بالإضافة إلى المسالخ...
مضيفا ، مياه القذرة السوداء لونها يتحول إلى أحمر أيام الذبح في تلك المسالخ...وفجأة توقف عن سرد
المزيد من التفاصيل عند وصول حافلة نقل العمومي كان ينتظرها قاصدا سوق
المدينة الأسبوعي الذي يعمر كل يوم جمعة ، كما قال لي وهو يهم بالركوب.
توقفت أتأمل في تلك عملية السقي
"القذرة" في وضح النهار وأمام الملأ لمحاصيل زراعية مصدر رئيسي لغذاء الإنسان
، كمثلا مادة "البطاطيس" وغير
ذلك...
استفزني المشهد الكثير ورأيته منكرا لابد من
المساهمة في تغييره بطريقتين لا ثالث لهما أما باليد وهذا غير متاح لأني لست مخولا
و لا أملك السلطة التي تخولني لذلك ، لم يبقى أمامي إلا الطريقة الثانية ألا وهي
"التغيير باللسان"...
زرت ذلك الوادي المشار إليه من طرف الشخص
المذكور ، رأيت بالفعل محركات ضخمة تسحب في المياه والعجيب لا يوجد أي شخص في كل
تلك المنطقة وكانت خالية تماما من أي وجود بشري ماعدا تلك المحركات وتلك "المراشي"
التي كانت تقوم بعملية الرش . ربما
احتياطا من أي مداهمة من المصالح المختصة ولكي لا يتم القبض على الفاعلين بالجرم
المشهود ويبقى "فعلا مبني
للمجهول" يمكن التنصل من كل ذلك عند الضرورة...
قمت بتصوير تلك المضخات بهاتفي النقال وأبلغت
كل المصالح المعنية والمخولة بتقرير مفصل ، موضحا لتلك المصالح كل ما أملك من
معلومات مصادرها بحوث طبية وصحية عالمية ،ملخصها أن عملية السقي بالمياه القذرة للمحاصيل الزراعية ،
طبيا و صحيا ، ضارة وخطيرة على السلامة البشرية كما على البيئة والتربة ، بالخصوص إذا كانت
تحتوي على نفايات صناعية أو طبية .
أقلها أنواع
من أورام سرطانية فتاكة بالأجسام غير متحكم فيها طبيا إلى حد الآن، بالخصوص المحاصيل التي تنبت "انبطاحيا" ، مثل
"البطاطيس" وما شابهها و البطيخ بشتى أنواعه ...عكس محاصيل التي تنبت للأعلى
، كأشجار التفاح والفواكه الأخرى ... تأثير تلك المياه يكون نسبيا أقل ضررا من الأولى .
كما أن تأثير هذه المياه وما تحتويه على التربة وخصوبتها
هي بنفس الخطورة على الإنسان لتفقد تلك التربة خصائصها النباتية وتصبح في وقت زمني
قصير غير صالحة كليا لزراعة ...
في الحقيقة ، لا أعلم ماذا كان صدى ذلك
التبليغ لدى تلك المصالح المبلغة لأن لم يتصل بي أحدا ، لكن الذي أعلمه بعد حوالي
شهرين مررت مرة أخرى من تلك الجهة وهذه المرة عمدا لكي أرى ماذا حصل لتلك
المزروعات ، فكانت دهشتي كبيرة عندما شاهدت أسراب من الشاحنات بمختلف الأوزان تنقل
تلك المحاصيل لتسويقها لتستقر في بطون الناس .
في هذه اللحظة أصابتني حالة يأس وتوصلت إلى
قناعة إنني لا أستطيع تغيير منكر لا باليد و لا باللسان وإنما بأضعف الإيمان ألا و هو "التنديد بالقلب"...
حمدان العربي الإدريسي
08.08.2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق