الله عز وجل لا ينسى عباده كأفراد أو جماعات أو أمم إلا و خصص لهم نصيبا من نعمه ، آجلا أو عاجلا ، والكل له نصيب من هذه النعم يحصل عليه في مكان و زمان ما. لكن عواقب الكفر بهذه النعم وخيمة و ثمنها غاليا على الفرد أو المجتمع ككل. ..
وإذا تفحصنا على مدى القريب كيف حال الذين كفروا بالنعم مهينين و محتقرين الخير لينسحب و يترك مكانه للشر ليتولى أمور ذلك الفرد أو ذلك المجتمع الذين كفروا بالنعم...
وهذا المثل ينطبق بالكمال و التمام على المجتمعات العالم الثالث ، خاصة التي خرجت من وطأة الاستعمار لتنال نصيبها من تلك النعم و خاصة المجتمعات التي وهب لها الله ثروات في باطن و فوق الأرض. وبالخصوص المجتمعات التي انتهجت في البداية النهج الاشتراكي. ..
فأصبح الفلاح الذي كان مجرد عبدا وهو أهله عند المستعمر يعمل من الظلام إلى الظلام مقابل حفنات من الطحين يسد بها ، في أحسن الأحوال ، أوجاع جوعه و جوع أفراد عائلته ساكنا ، أيضا في أحسن الأحوال، بيتا قصديريا بالقرب من "إسطبلات الحيوانات" ( أكرمكم الله)..
ليجد نفسه بعد زوال الاستعمار حرا بأتم المعنى الكلمة يملك أرضا وما فوقها ويسكن في مساكن أقرب منها إلى فيلات أحسن بكثير من مساكن المستعمرين أنفسهم ...
أولاده يتمدرسون و يدخلون الجامعات ويرسلون إلى الخارج في بعثات للدراسات العليا في أحسن الجامعات على نفقات الدولة ويصلون إلى المناصب العليا...
وإذا ألم به وجعا في رأسه أو مرض وجد كل أبواب المستشفيات مفتوحة له ليلا و نهارا على أبوابها طواقم قلوبها شبيهة بلباسها ناصعة البياض . كل ذلك مجانا...
وإذا حولنا اتجاهنا إلى سوق العمل نجد كل الناس تعمل في مؤسسات تطبق حرفيا شروط العمل واحترام العامل ماديا و إنسانيا . عامل متوفرة له كل شروط الراحة النفسانية من وسيلة نقل تنقله من منزله إلى مكان عمله و مطعم بوجبة غذائية كاملة لا تنقصها إلا عزف موسيقي ناعم تتبعها قيلولة إجبارية. ..
ماذا كانت النتيجة ، الفلاح الذي كان يعمل من الليل إلى الظلام أصبح لا يرى حقله إلا سويعات معدودات ، هذا إذا لم يبع أصلا تلك الأرض ليشتري مكانها سيارة و هاتف نقال والبزنسة والمضاربة في الأسواق بحثا عن الكسب السريع...
والعامل أصبح شعاره "أنا مالي و مال المؤسسة" لتذهب للجحيم . نعم ، استجيب لدعواه ، ذهبت تلك المؤسسة للجحيم لكنه هو ذهب إلى قاع السعير . انحلت تلك المؤسسات ووجد نفسه يلهث ليلا نهارا على شغل عند الخواص بأبخس الثمن ومن الظلام إلى الظلام ، هذا إذا وجده أصلا. وقيس على ذلك ...
إني أرى نفس المصير في انتظار الحرفيين وعلى رأسهم "البنائيين" ، الذين يبدو أنهم لا يقدرون النعيم الذي وهبه لهم الله...
و ينطبق عليهم بالتمام و الكمال المثل الشعبي "إذا ربح فلانا سيربح خائن السوق..." . والسوق بمفهومه الواسع ، كما هو مذكور في مواضيع سابقة ، هي كل المعاملات التجارية التي تتم بين البائع و الزبون ...
حرفيون ،من "السباك" إلى "النجار" و "الدهان"... على رأسهم "البناء" ، كما جاء ذكره ، صاحب الشهرة في كيفية استنزاف صاحب المنزل "كما و كيفا" ...
هذا الأخير رغم الامتيازات التي يقدمها له صاحب المنزل من أجر مرتفع وكما يحدده هو (بناء) إلى توفير له غذاء خصوصي باللحوم الحمراء أو بيضاء محروم منها ،ربما ، حتى أبنائه ...
وهو تقليد قسم منه "كرم الضيافة" وإحسان للإنسان يقدم جهدا عضلي في منزله وقسم آخر يدخل في إطار " ملئ الفم لتستحي العين" ، أو أكثر صراحة "رشوة مقننة" لكي ينتزع منه "أي من ذلك البناء" الإتقان في عمله. لكن كل ذلك ، في أغلب الأحيان ، يذهب سدى "لأن من تربى على شيء مات عليه " . ومن لا يستحي حتى ولو تملأ بطنه عسلا وجيوبه ذهبا ...
هؤلاء الحرفيون جعلوا من الناس وأموالهم هزءا ، مستغلين ظروفهم وحاجتهم إلى البناء و التوسع و الترميمات الضرورية و العاجلة لابتزازهم تحت قاعدة "إذا وعدوا خلفوا وإذا عملوا لم يتقنوا..."
على كل حال كنت ومازالت شاهدا على هؤلاء الناس الذين كفروا بالنعم وهم داخل و على أبواب المساجد يتوسلون للمصلين والناس الذين كانوا يستكبرون عليهم أيام النعيم...
واني أرى نفس مصير لهؤلاء الحرفيين وأيديهم ستكون ممدودة ، ليس في المساجد أنظف ، أشرف و أنقى ، لكن على حواشي الطرقات و على مداخل الأسواق و بالقرب من " مزابلها " ومرحاضها النتنة ، "أكرمكم الله"...
وتعبيرا عما قلته ، هو شعور أغلب الناس على هؤلاء "البناؤون" ، سأقص قصة أو "نكتة" سمعتها من أحد أشخاص، عندما كنت في إحدى المتاجر أتسوق وبما أن صاحب المحل تربطني به علاقة صداقة نتجاذب في كل مرة أطراف الحديث . وهذه المرة تناولنا الحديث عن البنائين وابتزازهم المقنن تجاه الآخرين...
وكان الشخص المذكور في المتجر ، يتسوق هو أيضا، استمع إلى حوارنا فدخل على الخط ، ويبدو أنه مكتوي أكثر بنيرانهم (البناءون) ،وقص علينا قصة. هو سماها قصة وأنا أسميها "نكتة مزاجية"...
القصة أو "النكتة المزاجية" ، هي أن سورا تهدم في الجنة فتم البحث طول وعرض الجنة لم يتم العثور و لا على بناء واحد لإعادة بناء السور المهدم. بمعنى ولولا بناء سيدخل الجنة...
صحيح ، أن جدران الجنة لا تبنى بطوب الدنيا و ليست محتاجة إلى بنائيين . وصحيح أيضا أن من يدخل الجنة لا يعلم به إلا الله ، عز وجل ، لكن القصة (أو النكتة) تعطي صورة عن هؤلاء في نظر الناس ...
وصحيح أيضا ، هناك صنف من هؤلاء البنائيين لا تنطبق عليهم الأوصاف المذكورة ، لكنهم أقلية صغيرة جدا لا تكاد ترى وينطبق عليها المثل الشعبي ، ما معناه : "البريء يروح دائما في جرة المذنب" ...
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
02.12.2011
02.12.2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق