في مواضيع سابقة تم الحديث عن الفرق بين التواريخ بأعدادها و التواريخ بأحداثها . تم إعطاء عدة أمثلة ، على سبيل التذكير إذا ذكرك شخصا بعام الذي حاول فيه حاكم اليمن هدم الكعبة المشرفة ربما ذاكرتك لا تتجاوب مع ذلك التاريخ...
إذا قال لك "عام الفيل" مباشرة ذاكرتك تسترجع الحدث وتذكرك بأن هو العام الذي حاول فيه "أبرهة الحبشي" أو "أبرهة الأشرم" تدمير الكعبة لإجبار العرب الذهاب إلى الكنيسة الذي بناها قبل أن تجعله طيور أبابيل أرسلها الله ،عز و جل ، عبرة للمتكبرين...
وهكذا ، لتواريخ بأحداثها نكهة تجعل الذاكرة أكثر تجاوبا . وأتذكر جيدا أجدادي حتى أمي ،رحمها الله ، لا تتعامل إطلاقا بالتواريخ ،لا ميلادية و لا هجرية ، بل عندما تريد ذكر تاريخ تذكره بأحداثه ...
فمثلا كانت تذكرني بعام "المريكان" ، عام دخول الولايات المتحدة الأمريكية جنبا إلى جنب مع قوات التحالف في مطاردة قوات المحور بقيادة ألمانيا...
وعام المجاعة ، عام عندما أجبر والدها ، رحمه الله ، على رهن سكينه وهو كل ما يملك مقابل حفنة من الطحين لإطعام أخواتها الجياع، إلى غير ذلك من "عام الثلج" ، "عام الطوفان"،الخ...
ولو كانت أمي مازالت على قيد الحياة لا أعرف ماذا كانت ستسمي هذا العام، أي 2011 ، "عام ويكيليكس" أو عام كشف المستور أو "عام الهروب"، أو "عام الرحيل" و اهتزاز الكراسي وتطايرها في الساحات وميدان العامة...
ومنها ،أي الكراسي ، من تحولت إلى آسرة مستشفيات يحاكم عليها أصحابها بعد انصهارها معهم من طول الجلوس عليها عجزت معها كل محاولات الفصل بينهما ،أي بين الكرسي و الجالس عليه ...
لكن تخميني أن أمي ستطلق على هذا العام عام "ثورة الناتو". عام الذي تحول فيه هذا الحلف بقدرة قادر إلى ثائر ضد الظلم والاستبداد أينما وجد واضعا نفسه رهن إشارة المستضعفين في الأرض يرسل أساطيله جوا و بحرا لدك حصون "الظالمين" بدل "الظالمون"...
ومن الآن فصاعدا كل مظلوم عليه التوجه إلى هذه "الجمعية الثورية الخيرية" لاسترجاع حقه ورفع الظلم عنه. حتى الفلسطينيين لهم الحق تقديم الطلب إلى "حلف الناتو" "، لرفع الظلم عنهم الواقع عليهم منذ عقود ...
ربما الأمر يتطلب بعض الوقت لتليبة الطلب لكثرة "المظلومين" ، لكن الناتو لن يتخلى عن أي مظلوم لوجه الله ، ربما تكفيرا عن ذنوب ...
لكن في الحقيقة و بيني و بين نفسي أشعر بالقلق وإحباط نفسي عميق كلما تذكرت تلك المقولة العامية الشعبية والتي تقول " الرايح خير من الجاي..." . بمعنى مصائب ومصاعب الماضي تصبح أخف وأهون مما هو آت ...
بمعنى النحوي ، فعل ماضي ناقص أحسن من فعل مضارع مبني للمجهول ولذلك أصبحت متشائم من تلك الأفعال و تصيبني منها الرهبة والارتعاش ويتصبب مني عرقا باردا يكسو أنحاء جسمي كلما حاولت صرفها ...
بمعنى أوضح ، ربما الليبيون سيترحمون مستقبلا على أيام معمر القذافي ، كما ترحموا في عهد هذا الأخير عن أيام العهد الملكي الذي أطاح به القذافي لينصب نفسه "ملك الملوك" ...
وربما سيلجئون مستقبلا ، أي الليبيون ، مرة أخرى إلى طلب الخدمات "الخيرية المجانية" للناتو لحمايتهم من ظلم "الظالمون الجدد" ...
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
09.10.2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق