"أنا
عبدك و خادمك المطيع يا مولاي " ، هكذا خاطب احد كبار المسؤولين
ملكه خلال اجتماع بحضور مسؤولين آخرين . فأجابه ذلك الملك : "أريدك أن تكون
كذلك فعلا و ليس قولا"...
ذلك المسؤول الكبير أراد ،تزلفا و تملقا ، نيل رضا و
بركات ملكه حتى و لو على حساب كرامته و حريته الذاتية التي وهبها ومنح له الله عز
وجل مولاه ومولى الملك نفسه...
فكان جواب الملك له أكثر
مذلة و امتهان أمام مرأى جميع المسؤولين الذين كانوا حاضرين في الاجتماع...
جواب الملك كان له معنيين مختلفين وكل فريق من
المسؤولين الحاضرين يقرأه بحسب معرفته ، الذين هم على شاكلة "العبد
المطيع" عليهم الانتقال إلى الأفعال ويصبحون "عبيدا " فعليا
لمولاهم واثبات ذلك عمليا ...
أما من هم عكس ذلك ، بمعنى الذين يعتبرون
أنفسهم مسؤولين و ليسوا عبيدا فقد نصحهم الملك بطريقة غير مباشرة بأن عليهم
اخذ العبرة من صديقهم وعدم "التزلف" له أكثر لأن ذلك يكون على
حساب كرامتهم و حريتهم الذاتية...
في الحقيقة تمنيت لو أن الملك نهر ذلك المسؤول وطرده من الاجتماع
ويقول له أنا أريد بجانبي أحرارا و ليس عبيدا ...
لأن العبد فاقد حرية التصرف حتى في ذاته لا
يصلح أن يكون مسؤولا على الآخرين. ويذكره قول عنترة بن
شداد (العبد لا يحسن الكر والفر ....) . أو قول الطيب المتنبي :
"لا تشتري العبد ..."...
العبد هو ملك للآخرين ، جسدا و فكرا ، يُباع و يُشترى في الأسواق
ويتم استخدامه في السخرة و إذلاله صباحا مساءا ...
كيف يصلح أن يكون مسؤولا على
الآخرين الذي يتولى بموجب تلك المسؤولية حماية حقوقهم وحريتهم وهو نفسه
فاقدها...
والتاريخ اثبت أن "المتزلفون" الذين يفضلون مصالحهم الذاتية على
حساب كرامتهم هم من ينقضون على أولى نعمهم في أول فرصة تتاح لهم و
"ينهشون" الأيادي الذين كانوا يقبلونها صباحا و مساءا راكعين مطيعين لا
يناقشون أمرا مستعدين لأي فعل يرونه يرضي مولاهم ...
و التلذذ في تعذيب واهانة
الخصوم أكثر مما يتمناه الحاكم نفسه و إرسالهم في رحلات
"استجمام" إلى ما وراء الشمس وأماكن أسوأ من وراء الشمس وهم
يقولون لمولاهم هل من مزيد ...
من خلال تجربتي المهنية و الغير مهنية توصلت إلى
قناعة شخصية أن "التزلف" من أسوأ العادات يكتسبها الإنسان،
تنتقل إليه من خلال الطريقة التي تربى بها أو يمكن حتى أن تكون
"وراثية" ...
و"التزلف" ، مرادف للتملق ، من خلاله
يحاول الفرد الوصول إلى هدفه تاركا جانبا كل ما يتعلق بالمبادئ ، هذا إذا كان لمثل هؤلاء شيء من هذه
المبادئ...
"المتزلفون" لهم مقدرة خارقة للعادة
على قلب الأمور وجعل اللون الأبيض يتحول إلى أسود ، و العكس صحيح، وتحويل
الأشياء القبيحة لتصبح كمالا ، شخصيا لا أرى فرقا بين "متزلف" و
"منافق" و كلاهما متخرجين من نفس المدرسة و نفس "التخصص" ...
معترفا من خلال هذه التجربة الطويلة معهم
بأنهم هؤلاء "المتزلفون" يكتسبون دائما في الأخير الجولة رغم أن
موقفهم في الأول يبدو ضعيفا ، لسبب بسيط المواجهة تكون غير متكافئة بين
طرفين...
طرف
يستخدم كل الوسائل الغير التقليدية و "المحرمة أخلاقيا" ،
مستعملا القاعدة الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة" ، وبين طرف خاضع
للاتفاقيات الأخلاقية التي لا يمكن تجاوزها مهما كان الموقف...
على كل الحال لا بد من الاعتراف أيضا أن
نهاية هؤلاء " المتزلفون " ليست دائما سعيدة ، فالكثير منهم مصيرهم يكون
أسوأ من مصير "البرامكة" في بغداد...
أو مصير الأنعام
في الأعياد و المناسبات أين ترى رؤوسها "تُزلف" على
نيران وقودها قبح أفعالهم...
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
05.10.2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق