من ينكر أن الأزمات في الأوطان العربية تحركها أيادي خارجية فهو مخطئ إما عن قصد أو عن جهل. أصابع تلك الأيادي آثارها "بائنة"، وواضحة على كل جرح في وطن من هذه الأوطان ، من مشارق الأرض إلى مغاربها...
تلك الأيادي لا تهمها لا حقوق الإنسان ولا ديمقراطية لا من قريب و لا من بعيد ، وبكائها على ذلك كبكاء الذئاب على سلامة فرائسها . و ما يهم تلك الأيادي إن لا تترك جراح تلك الأوطان تلتئم.. .
وتلك الجهات لا تخفي وتعلن صراحة بأنها تريد تقسيم المقسم وتفتيت ما تبقى من المقسم ، وأنها تريد تركيبة جديدة لتلك الأوطان أسسها الفوضى وعدم الاستقرار لتصبح (الأوطان) كالحائط "الواطي" يسهل القفز عليه لأي لص وحرامي ...
ولنا في الصومال مثال حي ، ربما النسخة التي ستتداول على الجميع ، عندما كادت النيران في هذا البلد المشتعل أن تنطفئ أضيف لها بنزينا مستوردا خصيصا من إثيوبيا...
ولا ننسى أيضا الديمقراطية التي اختيرت بعناية فائقة للعراق ليتحول بفضل تلك الديمقراطية من بلد امن و سلام ورخاء اجتماعي و ثقافي إلى جثث ملاقاة على حواشي الطرقات وقنوات الصرف الصحي. والحبل على الجرار. ..
لكن من جانب آخر ، من ينكر أن تلك الأوطان هي فعلا وأصلا قابلة للاشتعال فهو أيضا مخطئ و مجتنب الصواب. لولا تلك القابلية للاشتعال لما تمكنت منها وبهذه السهولة تلك النيران . كمثل دار صاحبها مخزن فيها كل المواد القابلة للاشتعال ، شرارة واحدة مهما كان حجمها تكفي لتجعل من تلك الدار و ما فيها رمادا .عكس المواد الغير قابلة للاشتعال من الصعوبة أن تنال منها أي شرارة وبتلك السهولة...
قد يقول قائل أن مسؤولية ذلك وما جعل تلك الأوطان فعلا قابلة للاشتعال و التفكك هي أنظمة الحكم ذاتها وأساليب حكمها ، هي نصف الحقيقة والحقيقة الكاملة ،على الأقل حسب اعتقادي، الحاكم و المحكوم في هذه الأوطان يتحملان سواسية مسؤولية ذلك...
والحاكم ليس شرطا أن يكون ملك أو رئيس البلاد وإنما أي مسؤول مهما كانت درجة مسؤوليته ، من الموظف البسيط إلى أعلى سلم وظيفي والذي يصبح يرى في تلك المسؤولية "مغنما" لا يتركها إلا مكرها ، طريدا أو سجينا ، وغير مفرق بين ما هو العام و الخاص ...
وعلى حسب رأي ، هذا هو المشكل الحقيقي (عن قصد أو غير قصد) في الأوطان العربية . بمعنى إعادة تعريفة العام من الخاص . هذه النقطة ، قد يراها البعض مهملة لا قيمة لها لكنها في الواقع بذرة تراكمها قد تصبح قابلة للاشتعال أكثر من أكوام الهشيم...
والمحكوم أيضا يتحمل مسؤولية ذلك ، إذا كان المواطن البسيط تراه يشتكي صباحا مساءا من ظلم وتجبر ذاك أو ذلك المسؤول، عادا مظالمه يمينا و شمالا ومع ذلك تراه هو نفسه ظالم في الحيز المتبقي له من ظلم الذي يقول عنهم "ظالمون"...
حتى أصبح يطلق على هذه الشعوب مقولة "تخاف و لا تستحي" ، وعندما يزول عنها الخوف لا تتردد في ظلم حتى نفسها وتزهق أرواح بعضها البعض بالباطل حتى و لو كان السبب "لعبة كرة القدم" أو أي شيء آخر قد يكون أكثر تفاهة ...
ولا يتردد ذلك "المظلوم" في استغلال أي مناسبة ليطلق ظلمه على الآخرين، حتى ولو كانت سعيدة ليوحلوها إلى كآبة و نغمة، أو كارثة طبيعية ليحولها "غير طبيعية" ...
كمثال أحوال الطقس السيئة والباردة ليبيع لجاره، الذي يكاد يتجمد من البرد ، "قارورة" الغاز بعشرات أضعافها. وذلك الجار التاجر، نفسه ظالم مستغلا الظروف المناخية ليرفع من سعر مواده الغذائية إلى أضعاف أضعافها ، وقس على ذالك. حتى أصبح يُرى أن تلك العينات من الشعوب لابد أن تحكمها عينة من هؤلاء الحكام، وإلا طغوا في الأوطان وحولوها إلى رماد...
بلقسام حمدان العربي
الإدريسي
16.02.2012
16.02.2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق