بعد تسجيل الاسم والعنوان ربما يكون هناك رد وجواب حتى ولو كان هو أيضا عتاب ، رسالة معنونة إلى ما وراء البحار موجهة بالبريد المسجل السريع لصاحبة المقام و المكانة أسطورة الزمان و المكان "التكنولوجيا"...
بعد تسجيل أسمى معاني الشكر و التقدير لها على ما قدمته و تقدمه للبشرية خدمة في تطورها الفكري و الحياتي مسهلة لها (البشرية) سبل الحياة وهذا يحسب في "ميزان حسناتها"...
أصبح الإنسان بك (التكنولوجيا) بأقل مجهود يحصل على اكبر مردود في كل الميدان من صحته إلى زراعته إلى صناعته إلى سرعة اتصالاته وتنقلاته ...
ولكن ، والكلام موجه دائما إلى صاحبة الشأن "التكنولوجيا" ، هناك لك كلام ، هو في الحقيقة عتاب أكثر منه تأنيب ، لقد اقتحمت عنوة عقولنا وأصبحت تلك العقول مجرد مستهلكة حتى لنفايتك ولكل شيء قمامته ...
كان عليك ، يا صاحبة المقام ، أن لا تقطعي البحار و الأجواء لتطاردنا في عقر دارنا وتفسدي عنا بساطة عقولنا و حياتنا و معيشتنا وترفعي عنا سترة حيائنا...
لا أحد من البشرية جمعاء الراحلون و الباقون وبدون أدنى شك الآتون ، ينكر فضلك ودورك في رفاهيته وتلك التسهيلات المذكورة والغير مذكورة . مما يجعل أي فرد من هذه البشرية و في كل مكان وزمان ينحني لك و للعقول التي تقف وراءك خشوعا ، احتراما و عرفانا...
إلا آحنا ، كما شرحت لك ، لم نكون طرفا فيك وفي تطورك لا من بعيد و لا من قريب (وآحنا يعني به العالم الثالث و العربي- الإسلامي ، بالخصوص) ، أكثر من ذلك لم نكون حتى طرفا في عقلانية "استهلاكك"...
بعثتي لنا "بالصحون اللاقطة " أو بالمعنى المفهوم الغير عربي "البرابول" وكسحت سطحونا ومن خلالك مكنتي كل القنوات بمختلف المآرب و المشارب غزو ديارنا و انتهاك حرمات وخصوصية غرف نومنا بدون إذن أو استئذان...
"صحون" مملوءة بالسموم مدهونة بالعسل فتركنا العسل وانغمسنا في السموم ، وهذا ليس خطأك و إنما الخطأ موجود في عقولنا . لأن للثعابين سموم تقتل ومن تلك السموم دواء للسقم إذا كان العقل ليس به اعتلال...
ومن بعض تلك القنوات ذات اختصاص عالي في إعطاء الدروس المجانية و الإجبارية في الأخلاق وأكثر من الأخلاق للبنين و البنات وحتى للكبار واختلط "الحابل بالنابل" ويطول الحديث و عدم الغوص أكثر لكي لا يحصل لنا مثل قصة "بيع الفهامة" في الأسواق...
وجاء هاتفك النقال ، ثورتك التي تستحق أكثر من تقدير والإعجاب، سهل للبشرية أمورها ربحا للوقت و المال . فبدل من ذلك تحول بالنسبة لنا نقمة و هدرا للمال وغير المال ورفع عنا غطاء الحياء ونشر على المباشر و الملأ أدق خصوصيتنا...
ترى نساؤنا قبل رجالنا في الطرقات و النقل العمومي و الغير العمومي و الأماكن العامة و الغير العامة، أياديهم على آذانهم وهم يتكلمون و في أكثر الأحيان تراهم يصرخون و يصيحون ناشرين على الملأ أدق خصوصياتهم ...
يحسبهم الناظر قوم أصابهم نوع من الجنون قد يكون أكثر خطورة مما هو معروف وتعجز معه ربما حتى منظمة الصحة العالمية في إيجاد "لقاح" مناسب له حتى و لو استعانت بجميع مختبرات العالم...
الأطفال في سن المدارس محفظتهم وعقولهم في النقال ولا شيء غير المحمول دروسهم المفضلة الاتصالات و العلاقات العامة ولا شيء غير ذلك ...
لا مراقبة و لا رقيب مع من تتم تلك الاتصالات الليلية التي لا تنتهي في غرف المنزل المغلقة لأولاد من بنين و بنات في السن المراهقة وغير السن المراهقة...
ولم تنجوا حتى مساجدنا وأماكن عبادتنا وخشوعنا من هاتفك النقال (والكلام دائما موجه للتكنولوجيا)، من الاستعمال الغير عقلاني لهذه الوسيلة. فتحولت مساجدنا إلى أشبه للكنائس تدق فيها الأجراس وتسمع الأغاني والموشحات الصوتية من مختلف الألحان و الأذواق ، ولكل هاتف ذوقه ولحنه المفضل...
وعليك تخيل المشهد وعجز الأئمة وتعطلت عندهم لغة الكلام من كثرة النصح والإرشاد من أن هذه أماكن للعبادة وليست مراكز اتصالات "غير سلكية" أو أماكن للاستماع للألحان و المقاطع الموسيقية فسكت الأئمة بعد أن نفذ عندهم مخزونهم من الكلام ولكن هاتفك النقال، ( الكلام دائما موجها للتكنولوجية) ، لم ينقطع عنه مخزونه المتجدد...
في شوارعنا مصيبة هاتفك أعظم عندما لا يجد سائقي المركبات أوقات مفضلة لإجراء اتصالاتهم "المستعجلة " إلا و هم في قيادة سيارتهم وشاحنتهم ...
والنتائج معروفة وإذا أرادت التحقق منها زوري المستشفيات و المقابر ودموع الأولياء التي فاضت منها البحار والمحيطات وما تتبعها من ماسي إنسانية و اجتماعية...
تجعلك بدون أدنى شك تفكري بل و تقرري في مقاطعتنا وعدم التحمل المسؤولية الأخلاقية في المشاركة والتواطؤ في مثل هكذا "جرائم ضد الإنسانية" من هذا النوع وتعكفي على قطع البحار و المحيطات مرة أخرى...
لهذا أرجوك ، يا صاحبة الشأن عالي ، أن تبقي في مكانك في ما وراء تلك البحار والمحيطات واحتفظي لنفسك ومحيطك بتطورك واتركينا وشأننا نعيش على قدر اتساع عقولنا . وكما قلت لك ( التكنولوجيا) سلفا أنها رسالة عتاب والعتاب لا يفسد التقدير والإعجاب و المودة...
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
20.01.2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق