والدي ،حفظه الله وأطال في عمره، زودني
منذ الصغر بقصص هي عبارة عن "تجربة حياته " ، أنارت لي جوانب كثيرة من
أسرار و خبايا وفواجع هذه الحياة...
من تلك القصص التي مازالت احتفظ بتفاصيلها، قصة عندما كان أجيرا(أي والدي)، عند احد كبار "المعمرين" ، أثناء الحقبة الاستعمارية من القرن الماضي...
رغم أن هذا الأخير (أي المعمر) كان فاحش الثراء ،ثروته لا تقدر بثمن ،كان يتجول يوميا في شوارع وحتى في "المزابل "و "القمامات" ليجمع قطع الخبز المرمية هنا و هناك ، إكراما وتقديسا لهذه النعمة الربانية ، وكان يقول لوالدي "شوف يا فلان سيأتي يوما يشتاق فيه المرء قطعة خبز كهذه و لن يجدها حتى في المزابل"...
ومرت الأيام واندلعت الحرب الكبرى لتأكل نيرانها الأخضر و اليابس واستنفذت المؤن و انقطع التموين،حتى أصحاب المزارع الكبرى وغير الكبرى ليس لهم الحق التصرف في محصولهم الزراعي والغير زراعي والكل محجوز للمجهود الحربي...
والكل عليهم الانتظار يوميا ( الغني و الفقير) في طوابير لا نهاية لها للحصول على حصته من الخبز و لا شيء غير الخبز "الحافي" ...
في غالب الأحيان لا تكفي تلك الحصة لإسكات جزء من صرخات و آلام بطون أطفال فما بالك ببطون الكبار، وبكى الرجال قبل النساء ، وما أدراك عندما يمتزج بكاء الرجال بنحيب النساء ، أنه لأمر جلل . وبالفعل فتش الناس "المزابل" و غير "المزابل" و بالفعل أيضا لم يجدوا شيئا لا قطع خبز ولا غير الخبز ...
وكلما طالت الحرب نقصت تلك الحصة ليزداد جوع الناس وتعري الأجسام وانكشاف العورات والمحظوظ من يجد "جيفة" (أكرمكم الله)، أو أسوأ من ذلك ليأكلها...
وتفشت الأمراض من قلة الشيء و سوء التغذية لتصبح أوبئة تقتل بدون رحمة أو تفرقة وازدحمت المقابر بالرحيل اليومي للراحلين وفيضان دموع المودعين ...
دموعا ليست للحزن أو التأسف على الراحلين وإنما على أنهم لم يكونوا محظوظين مثل حظ هؤلاء الراحلون، ولسان حالهم لو كانوا هم الراقدون تحت التراب هروبا من جحيم الفقر والعوز و الجوع وعذاباته ...
ووصلت الأمور بالناس القبول بزواج بناتهم و فلذات أكبادهم وهن ما زلن في السن الطفولة ، مقابل حفنة أو حفنات من الطحين لإسكات ،و لو مؤقتا ، صرخات الجوع أخواتهن الصغار ...
ولن تُنسى ، قصة رجلا الذي قبل تزويج ابنته في السن الطفولة لشيخ هرم لأنه لم يجد طعاما يكفي لجميع أولاده...
والمأساة لم تنتهي عند الحد ، عندما لم يجد ما يستر به عورة ابنته وهي ذاهبة "عروسا" للبيت الزوجية إلا بقايا بذلة عسكرية ربما صاحبها قضى نحبه في إحدى المعارك ...
قضت أم تلك البنت الليل كله محاولة ترقيع ما أمكن ترقيعه من تلك البذلة البالية لتكون "فستان" عرس ابنتها القاصر التي مازالت في ريعان الطفولة. ولم تحتاج تلك البذلة لغسيل والتنظيف لأن دموع تلك الأم كانت كافية لتنظيف تلك الرقعة البالية ...
وانتهت الحرب ، وعادت"حليمة لعادتها القديمة" ، ولم يعد الخبز يرمى فقط في "المزابل" وإنما تنظف به الأيادي و الصحون بعد الأكل ...
أكثر من ذلك ثلثي موائد أو أكثر، وخاصة إذا تعلق الأمر بالأفراح و الحفلات ،تجدها في اليوم التالي في "المزابل" وفي أماكن أسوأ من "المزابل" ...
ربما موائد فضلاتها تكفي لإدخال الفرح و السرور لبطون مازالت تتألم جوعا في مكان ما من أرض الله الواسعة. وتبقى قصة لأيام تتداول بين الأمم...
من تلك القصص التي مازالت احتفظ بتفاصيلها، قصة عندما كان أجيرا(أي والدي)، عند احد كبار "المعمرين" ، أثناء الحقبة الاستعمارية من القرن الماضي...
رغم أن هذا الأخير (أي المعمر) كان فاحش الثراء ،ثروته لا تقدر بثمن ،كان يتجول يوميا في شوارع وحتى في "المزابل "و "القمامات" ليجمع قطع الخبز المرمية هنا و هناك ، إكراما وتقديسا لهذه النعمة الربانية ، وكان يقول لوالدي "شوف يا فلان سيأتي يوما يشتاق فيه المرء قطعة خبز كهذه و لن يجدها حتى في المزابل"...
ومرت الأيام واندلعت الحرب الكبرى لتأكل نيرانها الأخضر و اليابس واستنفذت المؤن و انقطع التموين،حتى أصحاب المزارع الكبرى وغير الكبرى ليس لهم الحق التصرف في محصولهم الزراعي والغير زراعي والكل محجوز للمجهود الحربي...
والكل عليهم الانتظار يوميا ( الغني و الفقير) في طوابير لا نهاية لها للحصول على حصته من الخبز و لا شيء غير الخبز "الحافي" ...
في غالب الأحيان لا تكفي تلك الحصة لإسكات جزء من صرخات و آلام بطون أطفال فما بالك ببطون الكبار، وبكى الرجال قبل النساء ، وما أدراك عندما يمتزج بكاء الرجال بنحيب النساء ، أنه لأمر جلل . وبالفعل فتش الناس "المزابل" و غير "المزابل" و بالفعل أيضا لم يجدوا شيئا لا قطع خبز ولا غير الخبز ...
وكلما طالت الحرب نقصت تلك الحصة ليزداد جوع الناس وتعري الأجسام وانكشاف العورات والمحظوظ من يجد "جيفة" (أكرمكم الله)، أو أسوأ من ذلك ليأكلها...
وتفشت الأمراض من قلة الشيء و سوء التغذية لتصبح أوبئة تقتل بدون رحمة أو تفرقة وازدحمت المقابر بالرحيل اليومي للراحلين وفيضان دموع المودعين ...
دموعا ليست للحزن أو التأسف على الراحلين وإنما على أنهم لم يكونوا محظوظين مثل حظ هؤلاء الراحلون، ولسان حالهم لو كانوا هم الراقدون تحت التراب هروبا من جحيم الفقر والعوز و الجوع وعذاباته ...
ووصلت الأمور بالناس القبول بزواج بناتهم و فلذات أكبادهم وهن ما زلن في السن الطفولة ، مقابل حفنة أو حفنات من الطحين لإسكات ،و لو مؤقتا ، صرخات الجوع أخواتهن الصغار ...
ولن تُنسى ، قصة رجلا الذي قبل تزويج ابنته في السن الطفولة لشيخ هرم لأنه لم يجد طعاما يكفي لجميع أولاده...
والمأساة لم تنتهي عند الحد ، عندما لم يجد ما يستر به عورة ابنته وهي ذاهبة "عروسا" للبيت الزوجية إلا بقايا بذلة عسكرية ربما صاحبها قضى نحبه في إحدى المعارك ...
قضت أم تلك البنت الليل كله محاولة ترقيع ما أمكن ترقيعه من تلك البذلة البالية لتكون "فستان" عرس ابنتها القاصر التي مازالت في ريعان الطفولة. ولم تحتاج تلك البذلة لغسيل والتنظيف لأن دموع تلك الأم كانت كافية لتنظيف تلك الرقعة البالية ...
وانتهت الحرب ، وعادت"حليمة لعادتها القديمة" ، ولم يعد الخبز يرمى فقط في "المزابل" وإنما تنظف به الأيادي و الصحون بعد الأكل ...
أكثر من ذلك ثلثي موائد أو أكثر، وخاصة إذا تعلق الأمر بالأفراح و الحفلات ،تجدها في اليوم التالي في "المزابل" وفي أماكن أسوأ من "المزابل" ...
ربما موائد فضلاتها تكفي لإدخال الفرح و السرور لبطون مازالت تتألم جوعا في مكان ما من أرض الله الواسعة. وتبقى قصة لأيام تتداول بين الأمم...
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
18.04.2010
18.04.2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق