عندما تم التفكير في إنشاء قطاع طبي خاص ، بدون ادني
شك ، كانت أهدافه إستراتيجية طموحة ، بعد فشل ،أو إفشال ، القطاع الطبي الصحي
العام الذي تجاوزته الأحداث ماديا و بشريا...
وبما أن قيمة و
فعالية الأشياء تُعرف دائما من خلال الأزمات و الأحداث ، تماما مثل الامتحانات التي
تحدد من هو الأصلح في الاجتياز . أو الجيوش التي لا يُعرف مستواها الحقيقي إلا في
الحروب و ليس في الثكنات أو التمارين الروتينية...
وإذا شخصنا القطاع
الطبي الخاص بمقياس هذه الأمثلة نصل إلى نتيجة واضحة لا تحتاج إلى جدل ، أن هذا
القطاع الطبي الخاص فشل فشلا ذريعا في اجتياز أول امتحان حقيقي له "أزمة كورونا "...
تاركا القطاع العام وحيدا في الخطوط
الأمامية في مواجهة أزمة استثنائية حادة
لم تعرف البشرية مثلها، على الأقل في المدى المنظور...
قطاع تبخر و لم يعد يُرى له
وجود في الميدان ، أطباء و عيادات
طبية مغلقة الأبواب ، على
الأقل في مدى منظور الفرد و ما تتناقله وسائل وطنية لما هو حاصل في أنحاء
أخرى من البلاد...
حتى بعض هذه العيادات ، على حسب تلك وسائل الإعلام
، تلقت إنذارات من الجهات المختصة ، بفتح
أبوابها أمام المرضى...
مرضى ، منهم أصحاب
أمراض مزمنة أو مشاكل صحية طارئة ، تاهوا
بين مستشفيات عمومية مهتمة بأزمة الفيروس و قطاع طبي خاص غائب عن الميدان...
هذا القطاع ( الخاص ) ، الذي استفاد من كل التسهيلات
المالية و الإدارية و ربما حتى الجمركية ،
بهدف تمكينه من سرعة الوقوف على رجليه و اخذ زمام المبادرة في قطاع حيوي ومحوري في
يوميات الشعوب و الأمم، لأن لا يمكن تخيل
وجود حياة دون دعم طبي و صحي حقيقيين..
وكل الأمم و
الشعوب التي لا تهتم أو تفشل في إنشاء منظومة صحية فعالة تكون مناعتها هشة أو
مفقودة عرضة وتنبطح مستسلمة أمام غزوة مرضية بسيطة.فبالك إذا كانت هذه الغزوة مثل
فيروس على "وزن كورونا"...
فيروس لم تقف في
وجهه حتى منظومات صحية جد متطورة ، التي انهارت بشكل مريع ومأسوي أمام ضرباته الأولى و
قسم العالم إلى قسمين ، قسم أرسلهم إلى المقابر بدون طقوس ، هذا إذا كانوا محظوظين
و لم يتم حرق جثثهم...
وقسم آخر ، جزء تحت
التنفس الاصطناعي في انتظار فرج النجاة أو مأساة الرحيل . وجزء آخر تحت الحجز الاختياري
أو الإجباري يُحاول الحفاظ على سلامة أنفاسه لكي لا يختطفها هذا الفيروس الهائج...
فيروس لا تحجبه عن الوصول لأهدافه لا البروج
المُشيدة و لا القصور المحصنة . غير معترف بنظرية
الكون النسبية ، موزعا ضره
بالمطلق...
قلت هذا حال الأمم
التي تملك منظومات صحية بتطور مذهل . فما بال أمم غيبت قطاعها الصحي وجعلته آخر
الاهتمامات مفضلة عليه قطاعات أخرى منها ترفيهية ..
وماذا عسى أن تنفع منشات ترفيهية أو ما شابها
أثناء أزمة صحية كالتي يعرفها المجتمع في
الوقت الحالي ، جزء منه في المقابر و القسم الباقي مشلول ...
أو ما هي فائدة
قطاع طبي خاص ، الذي كون ثروات طائلة في "وقت لا أزمة" ، ليتبخر في "وقت الأزمة" . و ليس مستبعدا أن هذا القطاع سيظهر بعد
ألأزمة بمظهر المتضرر منها (الأزمة) ...
مظهرا خسائره من خلال أرقام تحمل الكثير من "الأصفار" على يمين عدد صحيح . حجة استباقية ليرفع بها
أسعار الفحوصات و ملحقاتها ، ليثقل
بها كاهل المواطن متوسط الدخل فما بالك الأدنى...
بالمختصر المفيد ،
على الدولة استغلال هذه الأزمة أحسن استغلال و استخراج منها العبر لتكوين فكرة
شاملة عن حالة هذا القطاع الاستراتيجي لتصحيح مساره تفاديا للأزمة مستقبلية
مماثلة...
وهذا ليس مستعبدا ، لأن حياة البشرية عبر
التاريخ ما هي سوى محطات من الشدة و الرخاء ، التفكير في الشدة وقت الرخاء أحسن تفكير كيف الخروج من الشدة في وقت الشدة...
الحل الأمثل من
وجهة نظري ، إعادة هيكلة القطاع العام بشكل جذري بتدعيمه و إعطائه الأهمية القصوى ببناء المستشفيات و
ملحقاتها وإعطاء اهتماما خاصا بالموارد البشرية من أطباء و ممرضين، الخ...
بلقسام حمدان العربي الإدريسي
03.04.2020